• مصر.. حاتم عمور في ضيافة السفير المغربي
  • الإعدام لـ”ولد الفشوش” قاتل الشاب بدر.. آش قالو المغاربة؟
  • بعد مرور سنوات على استقرارها في كندا.. سناء عكرود تعود للعيش في المغرب
  • “جازابلانكا”.. الفرقة البريطانية الشهيرة “UB40” تحتفل بعيد ميلادها ال45 رفقة جمهور البيضاء
  • إجراءات جديدة.. وزارة الثقافة تحصن التراث المغربي ضد السطو
عاجل
الإثنين 18 مارس 2013 على الساعة 11:17

تحليل إخباري.. عبادي يخاطبكم

تحليل إخباري.. عبادي يخاطبكم

المختار الغزيوي

عندما يخرج الرجل الأول، أو من هو في حكم الأول، في جماعة العدل والإحسان، محمد عبادي، لأن الكواليس تتحدث عن ترتيب آخر داخل الجماعة، في أول حوار إعلامي له يستحق الأمر بعض التبئير وبعض الاهتمام، وإن كانت الخلاصة العامة تتحدث عن خيبة أمل في الحوار الذي لم يأت بجديد، وإنما أعاد تأكيد ما تردده الجماعة منذ سنوات وسنوات، لكأنها ظلت حبيسة مكان معين لا تستطيع مراوحته، ولا تستطيع حتى تغيير الشعارات التي ترفعها بض النظر عن التغييرات الكبيرة التي عرفها المغرب، وعلى رأسها مروره من منطقة زوابع تسمى سنة 2011 لم يعبرها العالم العربي والإسلامي بأمان، واستطاع المغرب بفضل توافق نادر، لا يتحقق إلا فيه، أن يمر منها مرفوع الرأس وسالما لنتائج في الختام.
الجماعة أيضا، بعد فقدانها للرجل الذي كان يمثلها، كانت ملزمة، في أول حوار إعلامي يعطيه شيخها الجديد أو أمينها العام طالما أنها قرررت الاحتفاظ لعبد السلام ياسين بلقب المرشد إلى ختام الأيام، أن تعطي دليلا أو مؤشرا، أو حتى بارقة أمل، على أن ثمة قدرة في دواخلها على تغير ما يستوعب كل ما وقع، ويضع في اعتباره مصلحة البلد، ويترفع على الاختلافات الصغرى التي يبدو أنها أصبحت محور حياة العدليين بعد وفاة زعيمهم التاريخي، تماما مثلما كان عليه الحال في السنوات الأخيرة لمرضه وتعطل الآلية التنظيمية للجماعة عن الاشتغال، اللهم من بعض الخرجات الاستعراضية التي كانت تؤكد النقيض من المراد منها من طرف الجماعة.
بدأ عبادي حواره بنفي صفة الصوفية عن الجماعة أو صفة المريدين عن أتباعها تجاه الشيخ الراحل، معلنا بداية الكلام بفرية يعرف الكل أنها ثابتة في حق العدليين وهي التي قامت منذ البدء على جعلهم أتباع رجل أتى من الصوفية ولم يفارقها أبدا، وإن بدت له المطامع السياسية قادرة في بعض الأحايين على تعويض المطمع الصوفي الكبير.
حلول الجماعة في جسد الشيخ، وحلول الشيخ في أذهان الجماعة أمر ثابت تاريخيا وعقديا، ولا ينفع معه أن يحاول عبادي من اللحظة الأولى للكلام -الذي يبدو مسطرا بعناية أو لنقل متفقا عليه وعلى مساره لكي تصل الرسائل إلى من يهمه الأمر بالترتيب المراد بالتحديد- أن ينفيه أو أن يهرب منه بالحديث عن تتبع منهاج النبوة.
يمر بعدها عبادي لبعض مما صنع أسطورة العدل والإحسان في أذهان المريدين وهي تفسيره لعدم إعلان أرقام عملية انتخاب الأمين العام، والتي سبق لأرسلان أن قال عنها إن عدم إعلانها هو لأسباب أمنية، حيث يشرح عبادي أن الأمر ليس هواجس منتصف الليل -مثلما يقول عنوان الفيلم الشهير- لكنه عبارة عن تجميع لحقائق استد عليها بتوقيف خطباء دعوا لعبد السلام ياسين من المنابر معتبرا أن هذا الأمر دليل على أن الجماعة مستهدفة علما أن أموات المسلمين كثر ولا يترحم عليهم الخطباء في المساجد أبدا، فما بال الجماعة تريد أن تحول شيخها إلى رجل يفوق مرتب الناس العاديين وإن كان فعلا عاديا ولا تتوفر له في أذهان المغاربة العاديين على الأقل أي صفة ترفعه إلى المصاف التي تراه فيها الجماعة؟
ثم يتحث عبادي عن الديمقراطية الداخلية في العدل والإحسان داعيا كل من اطلع على حواره إلى الترحم على الراحل البشيري وهو أول معارضي عبد السلام ياسين وأكثرهم شهرة والذي دفع ثمن معارضته لشيخ الطريقة العدلاوية من حياته بعد أن كثرت عليه الضغوط يوم جاهر بالاختلاف مع النفس الصوفي المنحرف لياسين، فخانه القلب وقد أتته السهام من كل جانب ممن كان يعتقدهم إخوة له في الدين وفي الجماعة وفي النضال قبل أن يكتشف أنهم أشد مضاضة عليه من وقع الحسام المهند، ويفهم أنهم رحماء بينهم فقط لو بقيت الطاعة عمياء لشيخ الجماعة، وأنهم يتحولون إلى أشداء حين التعبير عن الاختلاف الذي لا مكان له داخل جماعة بعقلية عسكرية مثل جماعة العدل والإحسان.
من درر الحوار قول عبادي لمحاوريه -وهم كثر بالتأكيد- أن الجماعة تتبنى آليات الديمقراطية باعتبارها حكمة بشرية وإنتاجا لتدبير الاختلاف بين الناس، معتبرا أن شيخه علمه هذا الكلام وأنه لا يمكن أن يقول بعكسه، قبل أن يتراجع عن كل ما قاله بالتأكيد على أن الديمقراطية لا تستطيع أن تجيب عن الأسئلة الجوهرية قائلا بالحرف -لا فض فوه- إنها “أي الديمقراطية لا تجيبه عن أسئلة من هو ومن أين أتى وما غايته في هذا الوجود؟ وهي أسئلة يبدو أن المنهاج الياسيني يرد عليها أفضل من الديمقراطية والله أعلم على كل حال.

يسري الرجل بعد ذلك إلي قبول التداول على الحكم مع العلمانيين دون أن يوضح من هم لكنه يتحدث عن كائنات أخرى توجد بيننا “تتبنى إيديولوجيات مخالفة لما نراه”، قبل أن يعتبر في حديث سياسوي مفضوح أن لهاته التنظيمات الحق في الوجود وهو الحق الذي تحترمه الجماعة بشكل كبير في الجامعات وغيرها من مواقع تدبير الاختلاف، حين يصل الدم إلى الركب مثلما يقول المصريون في النزاعات الشهيرة التي دخلتها الجماعة السلمية الأكثر دموية في المغرب والمسماة العدل والإحسان مما لا داعي للعودة إليه أو الاستفاضة في الحديث عنه وهو موضوع لازال حديث الخاص والعام، وما قضية بنعيسى آيت الجيد ببعيدة عنا وهي التي لازالت تراوح مكانها في المحاكم دون فصل يذكر.
وفي فن المحاورة السياسية أمور لابد من الوقوف عندها قليلا، مثل السؤال عن تخوين الآخرين واحتكار العمل الطلابي، وهو ماينفيه عبادي جملة وتفصيلا ويقول إن الاحتكار ليس من مبادئنا، فيمر النقاش إلى موضوع آخر بكل سلاسة وبكل لطف أيضا وهي تقنية معروفة جدا في الحوار تسمى “بلا تحكار”، تقضي بمنح الفرصة للرد والمرور إلى التالي والسلام.
وطبعا كانت هناك 20 فبراير بكل الصدى الذي كان لها لدى العدليين، وبكل رغبة الركوب والامتطاء التي رأوها في الدول الأخرى فجعلتهم يعتقدون أن المغرب يشبه ما عداه ليقرروا الصعود على صهوة حركة لم تكن قد هيأت السرج جيدا، ما جعله يسقط بكل من اعتقدوا بإمكانية الركوب عليه. وعن الحركة الشبابية التي شاخت قبل الوقت يقول عبادي إنها لم تعد توفر شروط العمل المؤاتية للاستمرار، دون أن يشرح سبب التخلف أو النكوص عن النصرة، ولا سبب الخروج فجأة من الحراك الشبابي بعد طبخه على نار غير هادئة لأسابيع كثيرة والتلويح به باعتباره البوابة المنقذة للبلاد وللجماعة من كل المسار السياسي غير المقنع كثيرا الذي تنخرط فيه حسب تصور الجماعة بطبيعة الحال.
شيخ الجماعة الجديد لم ينس أن يذكر بحكاية اكتشاف جهاز تنصت في منزله، لكنه رفض الإيضاح كيف ومن ومتى، معتبرا الأمر علامة سرية مطلوبة في الوقت الراهن، ومتوعدا أو واعدا -الله أعلم- بالكشف مستقبلا عن تفاصيل هاته الفضيحة الاستخباراتية الكبرى التي يحكى في وجدة والنواحي ألا أساس لها من الصحة وأنها مختلقة من الألف إلى الياء ضمن البهارات والتوابل المصاحبة لمثل هذا النوع من العمل السياسي الذي تلزمه بعض مظاهر البطولات من أجل الوصول إلى المتوسطين والمتوسطات من المستعدين لتصديق مثل هاته الخرافات
ثم يختم عبادي حواره الأول بالحديث عن المذهب المالكي الذي يقول إنه لا ينكره هو وجماعته، وإنما ينكران الانتقائية في التعامل معه دون أن يوضح الموقف الحقيقي للجماعة من المذهب الذي يبدو لها غير قادر على تحقيق أحلامها السياسية منهيا الكلام بالحكومة التي اعتبرها أعجز من أن تحل ملف جماعته، ومبشرا المغاربة أن بنيانهم منهار متهالك متوقفا في الختام عند قولته (الحصيفة) التي استعاد بها المودودي عن “أكبر رئيس دولة الذي لا يصلح أن يكون بوابا في الدولة التي ننشدها”، تاركا الإحساس لدى من اطلعوا على حواره أن ثمة مسافة فعلية بين السياسة مثلما وصل إليها عالم اليوم، وبين سياسة الجماعة إذ تريد العودة إلى القرون الأولى من كل شيء، دون أن تسأل الشعب المغربي الذي تتحدث باسمه باستمرار إن كان راغبا في هاته العودة فعلا أم آنها لا تشكل بالنسبة له رهانا قابلا للحلم به أو الرؤيا أو حتى لتخييل بقومته في يوم من الأيام
أي جديد حمله عبادي لمستمعيه وقرائه ومتلقيه بحواره الأول؟
لعل الجديد الوحيد الذي تأكد منه الناس هو أن عبد السلام ياسين – رحمه الله – ارتكب جرما حقيقيا في حق جماعته يوم أفرغها من كل هامة سياسية قادرة على منافسته، وجعلها مجموعة أتباع ليس إلا بغرض تعبيد الطريق لخلافة رآها بشكل واستحالت شيئا آخر بعد الوفاة، تاركة السؤال كبيرا ينتظر الرد: أي مصير ينتظر اليوم العدل والإحسان؟