• مصر.. حاتم عمور في ضيافة السفير المغربي
  • الإعدام لـ”ولد الفشوش” قاتل الشاب بدر.. آش قالو المغاربة؟
  • بعد مرور سنوات على استقرارها في كندا.. سناء عكرود تعود للعيش في المغرب
  • “جازابلانكا”.. الفرقة البريطانية الشهيرة “UB40” تحتفل بعيد ميلادها ال45 رفقة جمهور البيضاء
  • إجراءات جديدة.. وزارة الثقافة تحصن التراث المغربي ضد السطو
عاجل
الثلاثاء 14 أبريل 2020 على الساعة 13:52

إعادة ترتيب الأولويات… توليفة مغربية لفترة النقاهة الصحية

إعادة ترتيب الأولويات… توليفة مغربية لفترة النقاهة الصحية

توقظ فترة الحجر الصحي أفكارا لطالما كبحنا جماحها في دواخلنا، شلل وسكون طرد التثاؤب عن ضرورة إعادة الأمور إلى نصابها بعد أن غرقنا في دوامة التسويفات، إعادة ترتيب الأولويات أصبحت ضرورة ملحة.

لنعد شريط الأحداث إلى الوراء أي قبل أشهر قليلة فقط حيث كنا نخطط لبرامج ومشاريع مستقبلية، المقاولون وضعوا لمساتهم النهائية لمخطط السنة الجديدة وشرعوا في تنفيذ أولى خطواتها، الطلبة والتلاميذ كانوا يتطلعون للتحصيل العلمي واجتياز الامتحانات داخل فصول الدراسة… وخلال أيام قليلة تغير كل شيء بسرعة البرق، تكسر زقزقة العصافير السكون الذي حل بشوارع المدن الصاخبة دون استئذان، بعدما كان التباعد الجسدي يفسر بكونه تعبير عن الجفاء أصبحت القاعدة الاجتماعية في زمن كورونا هي “بعيد عن الجسد قريب من القلب”، شخصيا الأمر حز في نفسي كثيرا لأنني فضلت أن أبتعد عن والدتي خلال مدة ثلاث أسابيع درءا لأي ضرر قد ألحقه بها دون قصد. خلال الأيام الأولى من الحجر الصحي عشت تقلبات “عنيفة” على المستوى النفسي فمعركة التأقلم لم تكن سهلة بالمرة، ولحسن الحظ تجاوزت الأمر الآن.

الإسهاب بشكل مبالغ فيه في الحديث عن “دروس كورونا” قد يكون غير ذي جدوى  لكن التطرق لإعادة ترتيب الأولويات بشكل منهجي أصبح أمرا لا محيد عنه، أولويات الفرد مع نفسه بمراجعة الذات وطرح الأسئلة الجوهرية عن ماهية ومعنى وجوده وصحته الجسدية والنفسية، عن الأخطاء المرتكبة في حق نفسه، عن احترام التزاماته حيال ما كان قد خططه لمسار حياته إن كان هناك تخطيط، عن مفاهيم خاصة تمر بأذهاننا يوميا ونظرة مغايرة للشعور الإنساني والصفات المتجذرة فيه كالسعادة والسلام الداخلي والخوف والإيثار والحب والطموح والرفاهية إلخ … إنها وقفة تأمل مع النفس غير مسبوقة وقد لن تكون بنفس العمق في المستقبل.

الأزمة الصحية وضعت علاقة الفرد بمحيطه وبالمجتمع كذلك قيد الاختبار، إذ أن شعور الهلع أفرز سلوكيات متناقضة، الأنانية المفرطة التي ظهرت عند بدايات انتشار الوباء بالاقتناء المفرط للمواد الاستهلاكية والطبية وكذلك مظاهر العنف الزوجي والأسري تجاه النساء التي ارتفعت بشكل كبير، إذ من المفترض أن تكون المنازل ملاجئ آمنة لكن الحقيقة أن بعضها فضاءات لتصريف العنف. بالمقابل، وجب تثمين مبادرات التضامن والتكافل والتطوع من أجل تجاوز هذه المحنة بأقل الأضرار المحتملة، والتي أكدت أن مفهوم المواطنة الحقة يحتاج إلى إعادة تعريف بتبني عقد اجتماعي جديد يقوم على أساس التفاعل الإيجابي بين الحاكم والمحكوم، ويضع القطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم والتشغيل كمنطلق حتمي لا محيد عنه لمرحلة “ما بعد كورونا”.

من جهة أخرى أضحت الرقمنة  واقعا يحتاج إلى رؤية استراتيجية مستعجلة تهم كل القطاعات العمومية والخاصة، نمط الاستهلاك والخدمات والعمل والدراسة عن بعد وتطبيقات التواصل والتجارة الالكترونية كلها ستعرف إقبالا ملحوظا خلال السنوات القليلة المقبلة لذلك فمواكبتها بتبني خارطة طريق واضحة المعالم ضرورية لتقليص الهوة بين التغيرات التي يعرفها المجتمع وبين البرامج السياسية والخطط الحكومية، كما أن توفر المؤسسات على قاعدة بيانات دقيقة أصبح بمثابة “بترول العصر” مع ما يصاحب ذلك من حماية للمعطيات الشخصية وضمان للأمن الرقمي من أي اختراق أو هجمات مستقبلية محتملة.

المقاولات المغربية معنية بشكل كبير بتغيير استراتيجياتها خلال الفترة المقبلة، التغيير لن يكون ذا فعالية إلا بتقييم الإنتاجية خلال فترة الحجر الصحي، العديد من القطاعات والوظائف في عدد من الشركات تأقلمت بشكل تلقائي مع العمل عن بعد، لذلك وجب طرح أسئلة مستقبلا من قبيل: هل مطلوب أن يحضر كل العاملين في هذه الشركات بشكل يومي إلى مكاتبهم لضمان مردودية أفضل؟ ما وقع هذا الحجر على نسب التلوث واستهلاك الطاقة والمحيط البيئي؟ ما تأثير الصحة النفسية وصحة محيط عمل الموظفين على المردودية؟ الإجابة عنها لن تكون بالشكل المطلوب إلا بأخذ المتغيرات التي يعرفها المجتمع بعين الاعتبار، للبقاء على قيد الاشتغال والنجاح يجب التأقلم مع الوضع الجديد وضبط الخطط وتغيير الاختصاص إن اقتضت الضرورة ذلك لمواكبة نمط الاستهلاك الرقمي سواء بالنسبة للمقاولات التي لها علاقة مباشرة مع مستهلكين بنطاق واسع أم مع المقاولات/الزبائن، الابتكار والإبداع ركيزتان أساسيتان للتفرد والمنافسة، الأزمة التي نعيشها وضعت المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص تحت المجهر فالأنسنة هي مفتاح التميز والنجاح.

القضية البيئية لم تعد ترفا حقوقيا، إذ صار لزاما استعجال تطبيق قوانين صارمة فيما يخص التعامل مع المحيط البيئي، سرعة التكنولوجيا ودوامة الاستهلاك أنستنا لعقود ضرورة إعادة الاعتبار للصحة البيئية وأن تكون ركيزة التغيير، لذلك فتشكيل جبهة ضغط على الحكومات من أجل تبني البعد البيئي أصبح رافعة من أجل التغيير السليم والعقلاني.

على أمل النجاح في النجاة والقضاء بشكل نهائي على وباء كورونا برؤية مغربية خالصة، التوليفة المغربية للإعداد لفترة النقاهة الصحية تحتاج كذلك إلى نفس طويل وعقلانية وهدوء وحزم وفهم جيد للخصوصية المغربية، ليكون نموذج تدبير مغرب ما بعد هذه الأزمة مثلا يحتذى به.

مفرطة في التفاؤل؟

نعم، ربما…

لا أملك إلا الحلم…

وداد ملحاف