• مصر.. حاتم عمور في ضيافة السفير المغربي
  • الإعدام لـ”ولد الفشوش” قاتل الشاب بدر.. آش قالو المغاربة؟
  • بعد مرور سنوات على استقرارها في كندا.. سناء عكرود تعود للعيش في المغرب
  • “جازابلانكا”.. الفرقة البريطانية الشهيرة “UB40” تحتفل بعيد ميلادها ال45 رفقة جمهور البيضاء
  • إجراءات جديدة.. وزارة الثقافة تحصن التراث المغربي ضد السطو
عاجل
الثلاثاء 23 يوليو 2019 على الساعة 17:00

شهادة.. حين صدّق أبنائي أنني صديق الملك!

شهادة.. حين صدّق أبنائي أنني صديق الملك!

ترددت كثيرا لكتابة هاته المقالة والسبب الأساسي راجع إلى طبيعة الموضوع وسوسيولوجية المتلقي والقارئ، لكن بعد تفكير قررت كتابة هذه الأسطر على صيغة الحكي لتوثيق وقائع بسيطة لكن كان لها بالغ الأثر على شخصيتي وتأثيرها على المحيطين بي خصوصا تزامنها مع عشرينية حكم الملك محمد السادس وتميز هاته الفترة بمنجزات اجتماعية كان لها بالغ الأثر على المجتمع المغربي، وكذلك لتقديم نموذج عصامي انطلق من حي شعبيي، رغم أنني ربما لست الأفضل لكن مسيرتي البسيطة استطعت تحقيق مجموعة من المنجزات تدحض مجموعة من الادعاءات حول ضبابية المشهد ومحاولة بث اليأس لدى الشباب.

“أنا صديق الملك” لها قصة مع أبنائي التوأم سلمان وسليمان سنة 2010 و2011، إذ ذات مرة استدعت المعلمة زوجتي للإدارة وطلبت منها أن نحاول إقناع الأولاد ألا يتحدثوا عن علاقتي بالملك وصداقتي له أمامهم خصوصا أنهم أطفال صغار ويتحدثون كثيرا عن الموضوع أمام الجميع وقولهم المتكرر: “بابا صاحب الملك” وكذلك “بابا جا عندو عمو السادس”، وهي عبارة كانت تتكرر كثيرا سواء في البيت أمام أي زائر أو في القسم.

كأطفال آنذاك لا يتجاوز عمرهم 4 سنوات في التمهيدي كان الكثير يظن أنهم صادقون وهو ما كان يسبب لي الحرج بتلقي بعض الطلبات، الأمر بسيط ولم أتفطن له إلا بعد مدة هو أني كفاعل جمعوي بسلا وحامل مشعل شباب الأحياء الشعبية اشتغلت مع مؤسسة محمد الخامس للتضامن منذ 2009 على تحقيق حلم لي شخصيا وشباب المدينة من خلال مركز للشباب. وفعلا كان لنا ذلك الشرف حيث تفضل الملك محمد السادس حفظه الله بوضع الحجر الأساس للمركز صيف 2010 وتم تدشينه غشت 2011 كذلك وهو السبب وراء “صداقتي للملك” حسب أطفالي، حيث أثرت فيهم رؤيتهم لصور وفيديو التدشين وتخزينها في مخيلتهم وتحويلها إلى وقائع يتم سردها بتلقائية تجعل المتلقي يصدق أن والدهم “صديق الملك” فعلا.

عودة إلى الموضوع الأساس وعشرينية حكم الملك محمد السادس أرجع إلى سنة 1999 كنت شابا في العشرين من عمري حاصل على باكلوريا بميزة مقبول طموحي آنذاك لم يتجاوز أفق بصري، فبعد تولي الملك العرش بعد الرزء العظيم في وفاة فقيد الأمة جلالة الملك الحسن الثاني قدس الله روحه، استبشرت خيرا وكنت جد متتبع لحركات وسكنات وتنقلات العاهل المغربي رغم محدودية معرفتي بأمور السياسة والتدبير وحضرت عندي أشياء وغابت أشياء آنذاك.

وكنت من الذين استمعوا بقلوبهم قبل أسماعهم لخطاب العرش ليوليوز 2000، الذي سطر فيه الملك أهم معالم الحكم. وتأثرت كباقي المغاربة بشجاعته للوقوف على العديد من الاختلالات والعزم للتصدي لها وتصحيحها فاستقر في قلبي شيء من الأمل كشاب رأى في العهد الجديد المنقذ والأمل، فقررت الانخراط في الحياة العامة عبر بوابة المجتمع المدني وأسست جمعية أطلقت عليها اسم “أمل” انطلاقا من قولة كنت أحفظها “أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام”.

إن تبني العاهل المغربي لملكية مواطنة ودعوته لسياسة القرب والمفهوم الجديد للسلطة كان له ثمار مباشرة على الشباب المغربي كنت أنا منهم وانخرطت بجدية وفعلا ما جعلني أغادر صفوف الدراسة والاكتفاء بالباكلوريا دون أي تردد حرصا مني على لقاء أكبر عدد من الشباب ودعوتهم للانخراط في المشروع المواطن وجعلهم يركبون سفينة التنمية إلى حدود سنة 2005.

إن إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وما كان لها من أثر جد إيجابي على الشعب المغربي بعد وقوف العاهل على المعضلة الاجتماعية حيث كانت سياسته الحكيمة أقوى جواب لنا كشباب وكنا ننتظر الخطب السامية للإجابة على انتظاراتنا ومن خلالنا العديد من الشباب خصوصا داخل الأحياء الهامشية والشعبية وأكبر دليل على حضور السياسة الاجتماعية بقوة، وحسب آخر الإحصائيات المعلن عنها حيث فاق المبلغ التقديري لمجموع الميزانية الاجتماعية في شتى المجالات 3.3 مليار درهم منذ 1999.

إن انخراطي في العمل الجمعوي كالعديد من شباب العهد الجديد كان له الوقع الحسن على ذواتنا أولا ثم على مجتمعنا. حيث تمكنت من الحصول على فرصة شغل مع منظمة أمريكية بالرباط وأشرفت على أحد أكبر البرامج بالشرق الأوسط لوزارة الخارجية الأمريكية آنذاك لتعليم اللغة الانجليزية لشباب الأحياء الشعبية عبر حصولهم على منح تعلم اللغة مجانا “اكسس”، حيث استفاد أكثر من 5000 شاب وشابة وتمكنهم من لغة حية للبحث عن فرص تكوين وشغل يحفظ لهم كرامتهم وكنت ممن تعلموا اللغة الانجليزية. بالمقابل سنة 2006 كان لي شرف الانضمام للملتقى الجمعوي للتضامن الذي أنشأته مؤسسة محمد الخامس للتضامن بجانبها كشريك في تفعيل برامجها الاجتماعية فالتحقت به ممثلا لجمعيتي.

كان لي عظيم الشرف عندما علمت أن مؤسسة محمد الخامس للتضامن التي يترأسها فعليا العاهل المغربي والتي وافقت على إنجاز “الفضاء الاجتماعي والتربوي لدعم كفاءات الشباب ” بحي بطانة بسلا وحضي بتشريف ملكي بوضع حجره الأساس غشت 2010 وتشرفت بتقديم مختلف ورشاته لإدماج الشباب للملك شهر رمضان سنة 2011 وكانت أمانة عظمى حملتها باسم الجمعية للحفاظ على المركز وتقديم خدماته للشباب حيث إلى اليوم يستقطب أكثر من 800 شاب وشابة سنويا يتخرجون في مختلف الأنشطة.

كان خطاب 9 مارس 2012 البلسم والجواب الكافي وانطلاق مرحلة جديدة من حكم الملك محمد السادس، وكباقي الشباب المغاربة استبشرنا خيرا بإطلاق جيل جديد من الإصلاحات الدستورية وتجلت عبقرية العاهل من خلال تكليف لجنة للإشراف على تعديل الدستور الجديد وإعطاء معنى جديد للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فانخرطت من خلال تعبئة الشاب للتعريف بمضمون الخطاب وصياغة مذكرة لوضعها أمام لجنة تعديل الدستور وتضمينها لبعض النقاط التي تهم اشتغالي في المجال الجمعوي، وحسب ما التقطت من إشارات، وذلك ما استبشرنا به خيرا من دسترة أدوار المجتمع المدني ووضعه الاعتباري كشريك في بلورة السياسات العمومية وهيأة استشارية معتبرة لجميع الفاعلين الرسميين.

إن سياسة الملك في مختلف المجالات ودعوته لفتح الأبواب والنوافذ للشباب وتمكينهم من إبراز طاقاتهم كانت حاضرة عندي في جميع مساري مما جعلني ارجع لكرسي الدراسة والتحصيل والعلم الأكاديمي لمواكبة التحولات الدستورية للمملكة، وذلك ما تم فعلا من خلال حصولي على شهادة الإجازة في القانون العام “الدراسات القانونية والمجتمع المدني” سنة 2015 وبعدها ماستر القانون العام في “التشريع وعمل المؤسسات الدستورية والسياسية” سنة 2017 وأخيرا تتويج مساري الأكاديمي بالتحاقي بسلك الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية واختياري لبحث التخرج حول موضوع “المبادرة الوطنية للتمنية البشرية” الذي سأواكب فيه إطلاق المرحلة الثالثة وتحديات الجيل الجديد من التنمية.

إن مساري المهني والجمعوي والأكاديمي لا يمكن تلخيصه كمسار لشاب من هذا الوطن ومن خلالي ملايين الشباب دون الوقوف على الأوراش العديدة لتمكين الشباب المغربي من مختلف الفرص الممكنة رغم الإمكانيات المحدودة والدعوة لجميع الفاعلين للاهتمام بالشباب وجعله محور السياسات العمومية.

حوالي 20 سنة تقريبا من 1999 إلى 2019 لم تكن مرحلة زمنية جامدة وعابرة لي كشاب وأنا اليوم في نهاية الأربعين من عمري بل تلخص مسارا لا يمكن تبخسيه وتجاوزه من بعض المشككين والحاسدين ومحدودي الرؤية، لذلك فمسار 20 سنة من حكم الملك محمد السادس يوازيه جيل من المنجزات والنجاحات، بل إنها مرحلة واكبت ملك شاب طموح له رؤية متبصرة، بل إن المواطن المغربي البسيط يحس بأن الملك أقرب إليه من خلال التجائهم إليه في الصغيرة والكبيرة، بل إن سوسيولوجيا المواطن جعلت من شخص الملك الأخ الأكبر والصديق والأب والملك الإنسان من خلال تحركاته الشخصية والصورة الراقية للملك المواطن في جميع تحركاته حتى الذين كان لهم شرف اللقاء والحديث معه يلمسون رقي أخلاقه ومعرفته بالأمور وتعاطيه الإيجابي معها كأنه يعيشها مع المواطن فعليا وأنا من الذين أعجبوا كثيرا من خلال الحديث مع جلالته عن تبصره وتوجيهه وقربه من المواطن إلى درجة انك في بعض الحالات تتساءل كيف للملك أن يعرف بعض التفاصيل رغم كل مهامه وانشغالات الحكم، من هنا ترسخت عندي شخصيا الملك المواطن أو الملك الصديق أو ملك القرب.

حيث يعتبر العديد من المواطنين وبشهادتهم أن إيصالهم لمطالبهم للملك في أقرب وقت لحل بعض مشاكلهم أو طلباتهم أسرع من انتظار بعض المسؤولين في قاعات الانتظار وبيروقراطية الإدارة. إن العاهل المغربي أشار غير ما مرة في خطبه إلى ضرورة تحلي جميع المسؤولين بالوطنية والمواطنة وجعل المواطن غاية وليس وسيلة وتساءل عن جدوى تواجدهم إذا كانوا يرفعون مطالبهم للمك شخصيا في غياب تواصل المسؤولين معهم لحل مشاكلهم.

إن ادعاء أولادي الصغار لصداقة الملك فقط رؤيتهم الأخبار بالتلفزة الوطنية حيث تشرفت بتقديم مختلف أنشطة مركز الشباب بسلا للعاهل كان صدفة، لكن الحقيقة أن أغلب من كان لهم شرف اللقاء أو حتى المتتبعين للأنشطة التي يقوم بها، يحسون ببساطة العاهل وحبه لشعبه ومدى تبصره لتحقيق المزيد من التنمية والرفاه الاجتماعي. وكذلك المواطن البسيط والشباب الذين أصبحوا أكثر استعمالا للوسائط التكنولوجية ترسخت لديهم صورة جد متميزة على الملك الإنسان والمواطن والمتفاعل مع قضاياهم بكل جدية وحزم.

لذلك فعشرينية الأوراش الاجتماعية تدعونا جميعا لتثمين وتكريس المكتسبات وجعلها أرضية للإقلاع الاقتصادي والتنموي في ظل السياسة الرشيدة للملك وعدم تبخيسها، بالعكس إن الفاعلين الرسميين مطالبون اليوم بتجديد وسائل الاشتغال وتنزيل البرامج التي فيها ابتكار وإبداع في ظل حكامة ترابية ومحلية تنزيلا لورش الجهوية، ثم إن التحدي الأكبر هو تكريس دور الشباب والمرأة في التنمية وإعطائهم المكانة اللائقة عبر تجديد النخب القادرة على رفع تحدي الحكامة واعتبار المسؤولية تكليف أكثر من تشريف من أجل إتمام البناء المجتمعي الذي وصل سنته 20 وجعله بيتا يرقى للاستقبال الأجيال القادمة التي سوف لن يقبل أي أحد أي تراخي في غياب أو نقص التعليم والصحة والبنية التحتية المواكبة لاستقبالها في ظل متغيرات العالم اليوم وغدا.

يوسف الشفوعي
باحث سلك الدكتوراه “القانون العام والعلوم السياسية”
خبير في مجال الشباب والمجتمع المدني