• مصر.. حاتم عمور في ضيافة السفير المغربي
  • الإعدام لـ”ولد الفشوش” قاتل الشاب بدر.. آش قالو المغاربة؟
  • بعد مرور سنوات على استقرارها في كندا.. سناء عكرود تعود للعيش في المغرب
  • “جازابلانكا”.. الفرقة البريطانية الشهيرة “UB40” تحتفل بعيد ميلادها ال45 رفقة جمهور البيضاء
  • إجراءات جديدة.. وزارة الثقافة تحصن التراث المغربي ضد السطو
عاجل
الأربعاء 19 ديسمبر 2012 على الساعة 11:36

سوء الظن في قضية الجن!!

سوء الظن في قضية الجن!!

 

رضوان الرمضاني

هل الأمر مجرد صدفة؟ نتمنى أن يكون كذلك. بلاغ غريب من وزارة الأسرة والتضامن وأشياء أخرى، يصلنا عصرا، وفي الليل ينتشر على الفايس بوك شريط “يستنطق” أصحابه الطفل رشيد، المعروف بـ”الجن”، ومعه الآخر المدعو “باشكو”.

مرة أخرى نتساءل: هل الأمر صدفة؟ والجواب… لا يهم الجواب، بقدر ما يهم السؤال، الآن على الأقل.
نعود إلى بداية “الفيلم”. كانت الفكرة بريئة، ونبيلة، للغاية. الخروج إلى الشارع، والوصول إلى جزء من المجتمع، عادة لا نسمع رأيه، ولا نستمع إليه إلا ليحكي عن المعاناة مع الشارع، مع أحكام مسبقة قاتلة.
كان الهدف أن ننقل إلى الجميع ما يفكر فيه المحسوبون على شريحة “المشردين”. هم، أولا، مواطنون، قادهم الحظ العاثر إلى الشارع، إنما الشارع لا يعني أنهم منفصلون عن ما يحدث أمامهم، أو خلفهم.
كان الهدف لا أن نسألهم (فقط) عن المعاناة بسبب التشرد والبرد والفقر والجوع والنظرات الدونية، وإنما أن نسمع (أيضا) ما يعتقدون ويفكرون عن المغرب الآخر، لذلك سألناهم عن عبد الإله بنكيران، وسألناهم عن شيء من السياسة… وعن أشياء أخرى. لم نتعامل معهم بدونية، وإنما بما يكفي من التقدير لعقولهم وتفكيرهم وإنسانيتهم ومواطنتهم، قبل كل شيء.
لم نتصور، لحظة، أن “الجن” سيتحول إلى “نجم” في ساعات قليلة. في الداخل وفي الخارج، فعل الشريط الأول ما لم نتوقع، وما لم نبحث عنه، وما لم نسع إليه، وما لم نقصد. وفي ساعات قليلة توالت التعليقات، وتوالت الرسائل، وتوالت الاتصالات، عبر الهاتف وعبر البريد الإلكتروني: متعاطفون مع “الجن” ومستعدون لمساعدته.
طرحنا السؤال حينها: ما نحن فاعلون؟ هل نترك “الجن” إلى مصيره؟ هل نقول “وصلت الرسالة” وكفى؟ هل نتجرد من الإنسانية وندعي أننا قمنا بالواجب فليقم الآخرون بالواجب؟
لم يكن ممكنا أن ننسلخ من إنسانية تسكن الجميع. صحيح أننا قمنا بعمل صحافي، هو في البدء والمنتهى عمل إعلامي، إلا أن القليل من الإنسانية في مثل هذه الحالات لا يمكن إلا أن يجعل من الصحافة أكثر نبلا.
بحثنا عن “الجن”، ولم يكن ممكنا أن نبحث عن الجميع، لأننا، في نهاية الأمر، مؤسسة إعلامية وليس جمعية خيرية توفر المأكل والمشرب والمبيت وإعادة الإدماج، وحتى إن أردنا ذلك لا نستطيع، ولم نعلم أنه حدث، فيما قبل، أن كان من واجب الصحافي أن “يتبنى” كل حالة يكتب عنها، أو يصور عنها روبورطاجا، أو يبث لها نداء استغاثة أو مساعدة.
كان المفروض أن تنتهي مهمتنا حين انتهى الروبورتاج إلى “كيفاش”، وحين تحدث “الجن” في “ميد راديو”. وكان يفترض أن يتحرك الآخرون ممن لم يتحركوا إلى بعد شهر أو أقل أو أكثر، إنما الإنسانية حالت بيننا وبين “الحياد”، فأتينا بـ”الجن”، وعاهدنا أنفسنا على أن نكون له العون، لإنقاذه أولا، وليكون العبرة للآخرين ثانيا، ولإراحة الضمير ثالثا.
لمسنا في “الجن” رغبة كبيرة في التخلص من الشارع وآفاته. طفل يبدو عليه الذكاء، والسلاسة في الكلام، وغير ذلك من العلامات التي رأينا فيها، عن صواب أو خطأ، أنها مؤشرات على قابليته لدخول مرحلة جديدة من حياته.
“شنو بغيتي؟، كان هذا سؤالنا إلى “الجن”، وكان بودنا أن نحتضن الأربعة، فكان جوابه: “بغيت ما نبقاش فالزنقة، بغيت شي جمعية، بغيت نرجع نقرا…”. “واش تشد معانا الطريق؟”، كان هذا سؤال آخر، وكان جواب الطفل: “نشد الطريق”.
كان كل شيء على ما يرام. أول ما فعل “الجن” أن ألقى بـ”قرعة السيليسيون” في المرحاض، فنال التصفيقات منا، وقابلنا فعلته بتكرار الوعد “حنا معاك حتى تشد الطريق ديالك”… والبقية تأتي.
بعد أيام قليلة، قضاها بيت بيت زميلنا محمد العطاري، اتصلنا برئيسة جمعية “بيتي”، السيدة نجاة مجيد. عرضنا عليها حالة “الجن”، فلم تتردد في التعبير عن قبولها استقباله. في اليوم الموالي، رافقنا “الجن”، بعد مقاومة غير مفهومة منه، إلى مؤسسة “بيتي” في سيدي البرنوصي، وقد علمنا، قبلها، أنه كان نزيلا سابقا في هذه المؤسسة قبل أن “يهرب” منها. هذا الأمر أحبط فينا بعض العزيمة، إلا أننا قلنا: ما كاين باس، لا بأس من المحاولة مرة أخرى.
في “بيتي” سيحل “الجن” ضيفا معززا مكرما. استقبل استقبال “النجوم” بكثير من التعامل الإنساني، والاستعداد لمد يد العون. هناك سئل: “شنو بغيتي؟”. يجيب هو: “بغيت نقرا”. ممكن. “ويلا ما كانش ممكن ترجع تقرا شنو تبغي تدير؟”، فيجيب هو: “ندير التكوين”… وتتوالى الأسئلة والأجوبة، إلى أن نغادر “بيتي” ونترك “الجن” فيها مع وعد بالزيارة كل نهاية أسبوع، وبتلبية ما يحتاجه إن احتاج، وبأن نكون رهن إشارته متى طلب أو انتظر…
في الأحد الموالي، سيزوره الزميل محمد العطاري… وبعد أيام قليلة سيأتي الخبر بأنه “هرب” مرة أخرى… إلى أين؟ إلى الشارع… للأسف.
بعد أن غادر “الجن” إلى “بيتي” سيأتينا “باشكو”. سيلتمس أن نساعده على الوصول إلى رفيقه. أن يكون من نزلاء هذه الجمعية هو الآخر. سنتصل بالسيدة أمينة، مستفسرين عن إمكانية ذلك، فكان جوابها أنه لا يمكن للجمعية أن تحتضن طفلا له أسرة، إنما يمكن أن تساعده على تعلم حرفة، وقد كانت مسطرة إلحاقه بمركز للتكوين جارية، لكنه تحدث بلغة غريبة. قلنا لا بأس.
بعد هذا كله، سيأتي بلاغ وزارة بسيمة الحقاوي. بلاغ غريب. فيه الكثير من الهمز واللمز الغامض غير المفهوم. سَرنا أن تلتقي الوزيرة بهؤلاء الأطفال، إنما غريب أن تلتقي هؤلاء فقط. الظاهرة، يا سيدتي، أكبر من أربعة أطفال، وإن كنا سلطنا الضوء عليهم فليس ليكونوا نجوما وإنما لتصل الرسالة، إنما الرسالة وصلت مقلوبة على ما يبدو… إلى ذهن الوزيرة.
هل علينا أن نصور جميع أطفال الشوارع في المغرب حتى تنتبه إليهم وزيرة الأسرة؟ لا يمكن، مع العلم، والاعتراف، بأن المسؤولية مشتركة في هذا الباب.. أسرة، وحكومة، ومجتمع مدني… وضمير إنساني قبل كل شيء.
بقدر ما سَرنا “تحرك” الوزيرة، بقدر ما هالنا مسعى واضح لتحويل القضية إلى قضية “بانضة” فقط.
نعم، نعترف، كان المفروض، والواجب، أن نخفي ملامح وجوه الأطفال الأربعة، لكن، وقد وقعت الزلة، نتمنى أن لا تسعى الوزيرة، ومن خلفها وأمامها، إلى وضع “بانضة” أخرى على عيون الإعلام حتى لا يرى إلا ما يراد له أن يرى.
القضية شائكة للغاية. نتفهم أن تحرج الكثيرين، وعلى رأسهم السيدة الوزيرة، إنما ما لا نفهمه هو يسعى البعض إلى أن يضعنا في قفص الاتهام.
من يتحدث عن المتاجرة واهم. ومن يتحدث عن الاستغلال واهم… ولو كان “الجن” راشدا بالغا لتحديناه… وعدناه ووفينا… التزمنا معه ووفينا… و”قول معروف خير من صدقة يتبعها أذى…”.
عسى أن ينتبه أولو الألباب إلى أن المشكل ليس في من طرح المشكل… أطفال الشوارع في انتظاركم… والله المستعان… وبه وجب الإعلام والسلام.