• مصر.. حاتم عمور في ضيافة السفير المغربي
  • الإعدام لـ”ولد الفشوش” قاتل الشاب بدر.. آش قالو المغاربة؟
  • بعد مرور سنوات على استقرارها في كندا.. سناء عكرود تعود للعيش في المغرب
  • “جازابلانكا”.. الفرقة البريطانية الشهيرة “UB40” تحتفل بعيد ميلادها ال45 رفقة جمهور البيضاء
  • إجراءات جديدة.. وزارة الثقافة تحصن التراث المغربي ضد السطو
عاجل
الجمعة 30 أغسطس 2013 على الساعة 11:25

رسالة حب (مرثية لدمشق)

رسالة حب (مرثية لدمشق) لمختار لغزيوي [email protected]
لمختار لغزيوي larhzioui@gmail.com
لمختار لغزيوي [email protected]

قبل القصف هاته الكلمات. ستصلك أو لن تصلك، لا يهم على الإطلاق. سأقول للنفس ولكل الحواس أنني صارحتك بها وإن لم تسمعي لواعج الهوى وهي تحث إليك الخطو عبر أنين التقطعات من هنا إلى هناك.

 

لا أعرف عنك إلا كل شيء جميل. أراك هناك قرب لبنان حياة مستمرة منذ القديم. متى بدأت فيك الحضارة؟ بل متى ولدت؟ بل متى صنعتها نطفة وألقيت بها في رحم كل أرضك والطين لكي تخرجي للعالم صبية من هذا النوع، ترمقك العين فتسقط صريعة الهوى، لا تستطيع إلا الاعتراف والصراخ بكل قوة “أحبك، أحبك”؟

 

يحكى والله أعلم أن هؤلاء الأعراب لا يحبون الجمال. يكرهونه. ماذا يمكن أن نفعل لهم. في البداوة التي صنعت تحجر العقل عندهم، قبح شديد، وإيمان بأن الجمال فتنة، وأن الجمال عيب، وأن الجمال حرام، وأن الجمال موؤودة لن يسألها أحد لماذا قتلت؟

 

يحكى أيضا أنهم كلما رأوا صبية جميلة إلا وحاربوها، قاتلوها، أعطوا كل مال الدنيا لكي يغطوها أو لكي يحبسوها، أما وقد استعصت عليهم فلا مجال لها إلا أن تزول من سطح الأرض. أن تذهب إلى الفناء. أن تعانق العدم. أن ترحل، أن تموت.

 

قدرهم كان هكذا دائما. يشترون الإبل والنوق، ويتحدثون عن الحريم الذي يملأ المخيلات منهم، وهم آلهة العنة، العاجزون عن تحريك أبسط أصبع من أياديهم الكئيبة، فأحراك أن يحركوا الشيء الآخر.

 

لذلك تزعجهم الفاتنات. لذلك يخافون من الجمال خصوصا إذا كان ذا عنفوان قاتل، خصوصا إذا كان مهرة تأبى الانصياع ولا تعطي القياد ولا تسلمه إلا للفارس إبن الفارس. أما ما عداه ومن عداه فلا. فكيف تستغربين أن يحقد عليك ركاب الحمير؟ كيف تتعجبين أنهم يعدون العدة كل يوم من أجل إيصالك إلى حتفك والقول بكل ارتياح “قتلناها، دفناها، غسلنا عارنا منها والسلام”؟

 

أكنت تنتظرين منهم شيئا آخر غير الخيانة؟ أكنت تتوقعين حقا أن يحبوك، أن يهووك، أن يعتنوا بك؟

 

سحقا لهم، أنت لا تعرفينهم جيدا. هم جبلوا منذ الرداءة الأولى وحتى انتهاء كل الأزمان على أن يكونوا جبناء مع النساء الجميلات. أعذريهم. ففي مدن الملح يولد الرجال مخصيين خائفين من هبة الحسن أن تصرخ في وجههم يوما كل الحرية.

 

لذلك استعدي للدمار. قتلوا قبلك بغداد. تلك الجميلة التي كانت ترفع أقداح الشعر والأدب والفن في وجه كل الطغاة. استحالت مدينة غريبة، لا يظهر فيها شعر نسائها الأسود الطويل، ولا تحمل الأعين التي في طرفها حور، كحل الفتنة والإغراء. عادت بغداد مدينة كل الدمار والأشباح. وبكى الجواهري المدينة قبل الوقت بكثير وهو يصيح لك الهيام

 

“خذي نفس الصبا بغداد***إني بعثت لك الهوى عرضا وطولا”

 

إلى أن تأك من العويل القادم فقال لها:

 

“أبغداد اذكري كم من دموع***أزارتك الصبابة والغليلا”.

 

اليوم أتاك حقك من الدمار، بعد أن زار القاهرة هي الأخرى، وترك فيها الندب الذي لن يزول من الوجه الأسمر القشيب. بهية لم تعد بهية، واللحى التي تغطي العقل تمكنت منها ولا عزاء.

 

اليوم دورك ياهاته. استعدي له بكل البهاء الذي يعرفه عنك كل من عشقوك يوما. قولي لنفسك إن من خلق بكل هذا القدر من الجمال في منطقة بكل هذا القدر من القبح لا يمكن إلا أن يموت مقتولا.

 

موتي دمشق، فقد مات نزار قبلك بكثير. مات من قال لك:

 

“هذي دمشق وهذي الكأس والراح***إني أحب وبضع الحب ذباح.

 

أنا الدمشقي لو شرحتم جسدي***لسالت منه عناقيد وتفاح”.

 

لو قالها اليوم لأفتوا بقتله وقالوا إنه، يحل الحرام ويحرم الحلال، ولتباروا في سبه إلى أن يتوب عن كل شيء فيه بعض الحياة..

 

موتي وفي الموت اكتبي حياة أخرى لعلك تستحقينها بعد الزمن بزمن طويل. موتي وارمقي بعينيك الجميلتين وأنت تغمضيهما للمرة الأخيرة السفاح. إسأليه “لماذا أصر على أن يوصلك إلى هاته الخاتمة بالتأكيد؟” دققي في عينيه جيدا. يقال إنه درس طب العيون ذات يوم في الجامعة. أأمضى السنوات الطويلة كلها يدرس طب العيون لكي يضع أصبعيه الفاجرين في الختام في المقلتين الباذختين؟ بئس الدراسة هي.

 

تأملي أيضا أوجه الكالحين أبناء الكالحين من القتلة باسم الدين. قولي لهم إنهم غرباء عنك، وألا موطن لهم فوق ثنايا جسدك الحر. أخبريهم أنهم وإن مارسوا فيك قسرا جهاد المناكحة حتى آخر الأيام، إلا أنك لم ولن تحسي معهم إلا بكل القرف. كنت تبصقين بعدهم ألف مرة، وتتذكرين فقط من عشقوك فعلا، ومن أحسست معهم بكل الحياة.

 

موتي فقد تقرر اليوم أن تموت كل الجميلات، وأن يرتفع لواء القبح حاكما في كل مكان.

 

دمشق عذرا، فلا أحد يستطيع حمايتك في هاته الأرجاء…