• مصر.. حاتم عمور في ضيافة السفير المغربي
  • الإعدام لـ”ولد الفشوش” قاتل الشاب بدر.. آش قالو المغاربة؟
  • بعد مرور سنوات على استقرارها في كندا.. سناء عكرود تعود للعيش في المغرب
  • “جازابلانكا”.. الفرقة البريطانية الشهيرة “UB40” تحتفل بعيد ميلادها ال45 رفقة جمهور البيضاء
  • إجراءات جديدة.. وزارة الثقافة تحصن التراث المغربي ضد السطو
عاجل
الثلاثاء 11 فبراير 2014 على الساعة 17:19

تلتميات مليون

تلتميات مليون لمختار لغزيوي [email protected]
لمختار لغزيوي larhzioui@gmail.com
لمختار لغزيوي [email protected]

اعتقدنا بداية أنه كلام عابر، شيء من ذلك الذي نسمعه باستمرار ولا نعيره انتباها ونتصوره كلام مقاه تتداوله الألسن والسلام. ثم اكتشفنا أنه انتهى إلى نقاش فعلي، وإن كان نقاشا من النوع المغربي التافه حول من يستطيع اشتراء الآخر، ومن يستطيع الدفع أكثر، ومن يمتلك بعض الملاليم أو الملايين في حسابه التي تمكنه من اقتناء كل شيء.

في النهاية اقتنعنا أو كدنا نقتنع أن كل شيء يباع في هذا البلد وأنه لا معنى لاستثناء مقاعد الوزارة من هذه “الجوطية” الكبرى المسماة سوقنا، وأنه لا داعي لأي استغراب وكفى، لكن هل انتهى الأمر عند هذا الحد بالفعل؟

لا أحد يتصور ذلك. الحكاية ابتدأت الآن، والحكومة التي قدمت للمواطنين اليوم بهاته الصورة، هي حكومة ملزمة بأن تصلح صورتها بنفسها بأن تنزع عنها عباءة الشك، وتقنع الكل أن أي وزير يوجد في أي مكان هو الأحق به، وأنه وصل إليه لأنه يستحق ذلك، ولأنه أبان عن كفاءات فعلية في المجال تجعله منزها على الأقل عن التشكيك في صلاحيته للحقيبة التي يحملها أو تحمله.

هل الأمر متحقق في حكومة بنكيران؟ لا ندري، وإذا كانت الصحافة تتحدث اليوم عن بيع وشراء للحقائب الوزارية مما وجب الحسم معه بشكل قطعي ويقيني لأنه يمس صورة الجهاز التنفيذي في البلد في الصميم، فإن أفضل رد من الحكومة على هذه الأقاويل التي ننتظر لها نفيا أوتأكيدا هو أن يبرز كل وزير في قطاعه أنه “سبع” وأن يأكل الجميع.

هنا بالتحديد تتعقد الأمور، والاستوزار في المغرب _ باستثناء حقائب معينة هي المفاتيح للعمل الحكومي وتتطلب الاستنجاب بأصحاب الخبرة الضرورية والكبرى _ ظل عملية ترضية للخواطر سياسيا أكثر منها أي شيء آخر. ولا لوم على الدولة في هاته النقطة بالتحديد، بل اللوم كل اللوم يقع على الأحزاب السياسية التي وحين تأتيها فرصة اقتراح أسماء محسوبة عليها لحمل حقائب معينة، تفكر في الأكثر ضجيجا لإسكاته، وتفكر في الأكثر ولاء لمجازاته، وتفكر في الأكثر سطوة لتلافي المشاكل معه.

لكن هل تفكر هاته الأحزاب في الأكثر كفاءة من أجل منحه تسيير القطاع الذي يفهم فيه فعلا من أجل ضمان نتائج حقيقية وفعالة في ذلك القطاع؟

لعل المغاربة بأسرهم يعرفون الجواب جيدا، ويميزونه من خلال ما يقع حين يرون وزيرا ينتقل بسهولة يحسد عليها من قطاع يتطلب معرفة تقنية معينة إلى قطاع آخر يتطلب معرفة تقنية أخرى لا علاقة لها بالمعرفة الأولى دون أن يرف له جفن الحياء أو الخوف. لا والأنكى من هذا هو أن يحمل الوزير معه طاقمه أومستشاريه من الميدان الأول إلى الميدان الثاني لكي يشكل بهم ديوانه الجديد، لكأنهم يفهمون في هذا المجال وفي المجال الآخر دون أدنى إشكال.

وحين نرى تسيير بعض الوزارت، وحين نرى نتائج عمل بعض الوزراء، وحين نرى الكوارث التي تورط فيها بعض هؤلاء، وحين نرى التخبط والارتجال والهواية وكل أنواع التجريب التي يتخبطون فيها، نفهم أن الحكاية لا تستقيم على أساس واضح، وأنها ليست نتاج تكليف بناء على معرفة مسبقة، لكنها أتت هكذا والسلام.

في البلدان الأخرى التي سبقتنا إلى البدعة المسماة ديمقراطية، تضع الأحزاب وهي خارج الحكم أسماء حكوماتها. تكلف كل واحد منها بالميدان الذي يفهم فيه أكثر، ويشتغل على اقتراحات تقدم وحزبه في المعارضة للميدان الذي يعرف فيه أكثر، وحين يأتي أوان الفوز في الانتخابات البرلمانية يكون الأمر محسوما، وتكون الأسماء معلنا عنها قبل الإعلان الرسمي وتعرفها الصحافة لأنها تعرف من اشتغل على كل قطاع داخل هاته الأحزاب منذ كانت في المعارضة.

في المغرب، ولا فخر، ولا شماتة، ولا حسد، ولا أي شيء على الإطلاق، لا وجود لكل هذا الهراء. يعرف الحزب أنه في الحكومة عندما تبدأ مشاورات التشكيل. يقترح أسماء مكتبه السياسي وفق العرف المغربي العجيب: الأقرب، فالأقل قربا فالبعيد فالأبعد. الكفاءة لا تهم إلا في النادر القليل من الحالات. ضبط الملفات لا يعني أي شيء. أما الاشتغال عليها قبل التكليف الوزاري فمسألة دونها الموت في هذا البلد العجيب.

 

فهل نستغرب والحالة هاته أن تتخيل الصحافة أن الناس يدفعون للناس من أجل الحصول على ترضية الدخول إلى جنان الحكومة رغم فداحة التخيل وابتعاده ربما عن الواقع؟

الأقرب إلى الحقيقة يقول إن الاستغراب ممنوع تماما في هاته النازلة، بل وأن الأحق بالاستغراب هي بعض الأسماء التي لا ندري كيف أصبحت بين عشية وضحاها قادرة على الاستوزار، رغم أن أشياء كثيرة يمكن قولها عنها هي أخطر بكثير من مبلغ “تلتميات” مليون الذي يملأ الدنيا ويشغل الناس في الوقت الحاضر.