الجيلالي بنحليمة
عادة، يفرض الشيوخ الكثير من التضحيات المقززة على مريديهم، البصق في الفم، وتلذذ أصابع الأرجل الخارجة لتوها، بعد ساعات، من الحذاء، بعض من هذه الممارسات اللعينة. تأتي التضحية بالروح والولد في مراتب متقدمة من تقديم ولاءات خاصة عرفانا للتنظيمات والشيوخ، بين كل هذا يبقى من الصعب تصور إمكانية البحث عن “امرأة” للشيخ وتزيينها والبحث لها عن مسوغ ما لقضاء ليلة أو ليالي في حضنه، كتزجية للوقت، رغم ما يقدمه باحثو الأنثروبولوجيا السياسية من الأمثلة العديدة عن هذه العلاقات المتاخمة للحد الأقصى لما يمكن أن يتحمله أي إنسان في سبيل طاعة هوى قائده.
ما أثاره السباب الذي كاله أحمد منصور، إعلامي قناة الجزيرة، لصحافيين مغاربة، بعد خبر عادي، بكون عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عبد العالي حامي الدين، قد تورط في وساطة لتزويج منصور من إحدى المنتسبات للحزب زواجا عرفيا، كان أمرا طبيعيا لأن حملة مشروع الدولة المدنية لا يمكنهم تقبل نعتهم ب”القوادين” لأنهم رفضوا زواجا عرفيا، وهم المؤمنون بأن الزواج المدني هو وحده العلاقة المرتبة لآثار ومواقع قانونية تضمن حقوقا وواجبات، دون الالتفات للمغريات التي يعتبرونها في حكم ما يقدم مقابل خدمات جنسية، لا أقل ولا أكثر.
ما وقع هو أن العدالة والتنمية انتصر لموقف منصور على حساب أبناء الوطن، أي من نعتهم بجماعة “القوادين والسفلة الذين يستحقون الرفس تحت الحذاء”. انتصر العدالة والتنمية لمنصور في منبر رسمي، عبر إعادة تدوير تدوينة منصور في الموقع الرسمي للحزب، قبل أن يتم سحبها فيما بعد، وبخوض أنصاره في الفضاء الأزرق لمعارك بلا هوادة، انصبت كاملة على تبرير فج لما وصف به منصور صحافيين مغاربة. قيادات العدالة والتنمية التزمت الصمت مغذية الكثير من الشك والضبابية وازدواجية المواقف تجاه تصريحات مذيع قناة الجزيرة، فلا استنكرت، ولا هي ناصرت موقفه علانية، مكتفية بسحب مادة خبرية حول الموضوع من موقع الحزب الرسمي بعد أن قبعت فيه لساعات طويلة.
مقابل ذلك لم يتوان جنود الخفاء “الإلكتروني”في نعت الصحافيين المغاربة بأكثر مما نعتهم به أحمد منصور.
هذا يفرض على العدالة والتنمية أن يجيب على سؤال جوهري وأساسي: أيهما الأسبق الوطن أم التنظيم؟ اختبار أحمد منصور يدخل في خانة (الضارة، النافعة)، اختبار صعب لأنه وضع العدالة والتنمية في مأزق أولوية الولاء؟ واختبار محرج لأنه سيفرض على الدولة أن تعيد مجددا تكييف استعمالات الديمقراطية التي تضمن صالح الوطن، لا صالح تنظيمات تلوح بديمقراطية المقاعد، وتدين بالولاء لتنظيمات عقائدية “أممية” خارج الحدود، ففي كل الأحوال لا يمكن اليوم أن تطالب بديمقراطية معيبة نعلم مسبقا أنها ستقدم ولاء الشيخ على خدمة الوطن.
ماذا كان على العدالة والتنمية أن يفعل؟ أن يلتزم الصمت، ويترك العاصفة التي وضعها مذيعها الأثير أحمد منصور تمر دون خسائر على الجبهة الداخلية؟ كان هذا خيارا جبانا، زكته حمأة غير محسوبة للمشرفين على الموقع الرسمي للحزب الذي نشروا تدوينة معتبرين أنها رد قوي على عينة من الصحافيين تحدثوا عن زواج عرفي توسط فيه حامي الدين لصالح منصور، ما يهم هو أن الأخ كان مع الاخ ضد ابن العم وابن العم لم يكن سوى الصحافي “القواد” أعز الله قدركم.
في حديث لصاحب هذه السطور مع عبد الاله ابن كيران، رئيس الحكومة، مباشرة بعد حواره مع أحمد منصور سردت أمام معاليه ملاحظة تفيد بأن صاحب “بلا حدود” كان بعيدا كل البعد عن الصحافي وتحدث بلغة الدردشة والبراباكندا لحكومة ابن كيران، ما يهم هو جواب رئيس الحكومة على الملاحظة، قال إنه شعر في الكثير من الأحيان أنه كان قاسيا على منصور، وكان منصور يرى في تجربة حكومة ابن كيران تجربة ناجحة لحكومة يقودها إسلاميون داخل الوطن العربي، هذا ما تتيحه أمانة الحفاظ على سرية المكالمات احتراما لعبد الاله ابن كيران واحتراما لما يذكرني به دائما من “أمانة المجالس” ولكن جواب رئيس الحكومة إلى هذا الحد مفيد كثيرا.
بما يمكن أن نطالب نحن معشر الصحافيين الذين ننتظر الوزير “الاخ” مصطفى الخلفي ليوقع لنا بطائقنا المهنية كل سنة؟ لا شيء تقريبا سوى المعاملة بالمثل، وطلبا لبقا باعتذار منصور، انتصارا للجسم المهني، وليس أكثر من ذلك، نحن نتفهم أن الحكومة لا تملك القوة اللازمة لتدبيج بيان قوي ضد “المنصور”، ونحن نعرف أن واقعة الأخ الأكبر “المنصور” أدت مفعولها السياسي؛ لقد وضعت خطاب “مغربية “الحركة الإسلامية، وغياب العلائق التنظيمية مع جماعة الإخوان، موضع سؤال جدي.
وبعيدا عن بيانات “الحقيقة”، وتفاصيل الزيجات “النضالية”، وعنف اللغة الإخوانية المتعالية، يبقى ذلك هو السؤال وتلك هي المسألة.
