• المستشار الخاص للرئيس الأمريكي: نعمل على تنزيل رؤية الرئيس ترامب وجلالة الملك بخصوص حل قضية الصحراء وتطوير العلاقات الثنائية
  • تتويج مستحق للأشبال.. الكان مغربي بامتياز
  • كان يخضع لإجراءات التحقق من الهوية.. فتح بحث قضائي في وفاة شخص أمام سوق الجملة بالبيضاء
  • المستشار الخاص لترامب: الموقف الأمريكي من قضية الصحراء صريح جدا ولا يتخلله أي شك أو أي لبس
  • أموريم: خروج مزراوي أمام ليون لأسباب شخصية… وسيكون جاهزا لمباراة الغد
عاجل
الثلاثاء 10 ديسمبر 2024 على الساعة 18:55

نوفل البعمري يكتب: لماذا المغرب استثناء؟!

نوفل البعمري يكتب: لماذا المغرب استثناء؟!

نوفل البعمري

عندما ترى ما حدث وما قد يحدث في الكثير من البلدان العربية، وما انتهت إليه تلك الدول التي رفضت الإصلاح والتغيير السلمي والديمقراطي؛ يجب أن ننظر لتاريخ المغرب بالكثير من الاعتزاز، نظرة تستلهم تجربته المؤسساتية والسياسية من الداخل ومن الممارسة السياسية التي امتدت منذ استقلال المغرب إلى الآن. وقد لعبت فيه عدة مؤسسات دوراً كبيراً في تجنيب المغرب مصير العديد من الدول العربية:

1- المؤسسة الملكية:
لعبت المؤسسة الملكية دوراً إصلاحياً كبيراً، استجابت فيه، في مختلف مراحل تطور المغرب، إلى مطالب التغيير. في بداية التسعينيات، فهم الراحل الحسن الثاني أنه لا يمكن أن يظل المغرب كما كان عليه في السبعينيات والثمانينيات، حيث كانت تُمارس انتهاكات حقوقية خطيرة وجسيمة. فتح الباب أمام انتقاد ديمقراطي انطلق مع فتح أبواب تزمامارت، وعودة المنفيين، والعفو الشامل على الجميع. انطلق مسلسل من الحوار السياسي بينه وبين المعارضة، وظهرت نسخة 1993 التي فشلت بسبب عدم نضج مختلف الأطراف لتجربة حكومة تناوب توافق. لينطلق بعدها مسلسل جديد انتهى بتولي المعارضة لأول مرة رئاسة الحكومة، وكان وصول عبد الرحمن اليوسفي مرحلة فارقة في تاريخ المغرب.
مع تولي الملك محمد السادس الحكم، انطلق مسلسل آخر من الإصلاح مع مسار العدالة الانتقالية بهيئة الإنصاف والمصالحة، وبالإصلاحات التي تم القيام بها حقوقياً وتشريعياً. تعززت هذه الإصلاحات مع التجاوب الكبير الذي أبداه الملك مع مطالب الشارع سنة 2011، فجاء دستور الحقوق والحريات، وانخرط المغرب في بناء مساره السياسي بتقلباته وتأثيراته الداخلية والخارجية. لكن ظلت المؤسسة الملكية قوة إصلاحية حقيقية، وظل فيها الملك يرى هذه الإصلاحات باعتباره رئيساً للدولة وقائداً لها.

2- الأحزاب السياسية والنقابية والمجتمعية:
لم يكن للمسار الإصلاحي الذي قطعه المغرب أن يتحقق دون أن تلعب فيه الأحزاب السياسية، خاصة منها أحزاب الحركة الوطنية والقوى الديمقراطية بشكل خاص، وتيارات اليسار الجديد التي توجهت نحو العمل الحقوقي، دوراً أساسياً. هذه الأحزاب كانت تناضل منذ الاستقلال من أجل الدمقرطة وتوسيع الهوامش الديمقراطية ببلادنا، بدءاً من الستينيات، بالمطالبة بالإصلاحات الدستورية والسياسية، ثم النضال من أجل الحريات والحقوق الأساسية. كانت فاعلاً أساسياً في مرحلة التمهيد للانتقال الديمقراطي، وصولاً إلى ما عُرف بالعهد الجديد، حيث قادت إلى جانب الملك تحولات المغرب الجديدة بدءاً بالإنصاف والمصالحة، وصولاً إلى تعديل دستور 2011.
وقد كان لتجذر هذه القوى داخل المجتمع، سواء تعلق الأمر بأحزاب الحركة الوطنية، خاصة الكتلة الديمقراطية، أو تيارات اليسار الجديد، أو الفاعلين الحقوقيين والنشطاء المدنيين، دور فاعل في تشجيع الدولة على القيام بمهام العدالة الانتقالية وفقاً للمعايير الدولية من خلال التوافق والتراضي، وإعادة بناء الثقة مع الحكم. تحملت مسؤوليتها الكاملة في التغيير من داخل المؤسسات، وقطعت مع الفوضوية والمغامرات السياسية منذ بداية السبعينيات. تولد لديها وعي متقدم بأهمية النضال الديمقراطي واستراتيجية الإصلاح من الداخل، وهو الوعي الذي جنب المغرب الدخول في متاعب كانت قد تؤدي إلى الاستبداد أو إعادة إنتاج نظام حكم فردي مستبد على شاكلة الأنظمة التي انهارت، سواء في الشرق الأوسط أو أوروبا الشرقية.
وقد أسهمت قراءتها للواقع الدولي، بداية التسعينيات ونهاية الثمانينيات، من خلال استيعاب سريع لانهيار المعسكر السوفياتي وسقوط جدار برلين، في قيامها بالتغييرات الفكرية والإيديولوجية اللازمة بشكل سريع واستباقي، مما كان له الأثر الكبير في دفع المغرب نحو تبني الخيار الديمقراطي الذي انتهى بدسترته.

3- الإسلاميون ودورهم في التحولات الأخيرة:
استطاع المغرب في علاقته بالإسلاميين أن يبني نموذجه الخاص في إدماج التيار الديني الإسلامي في الحياة العامة بشكل سلس وآمن. وقد كان لدور العدالة والتنمية وباقي التيارات الدينية في تبني مشروع الإصلاح والمشاركة في الحياة السياسية، سواء داخل المؤسسات أو خارجها من خلال العدل والإحسان، أثر كبير. رفضهم للعنف والإعلان بشكل واضح عن التغيير السلمي لعب دوراً مهماً، إلى جانب ما قامت به الدولة، في تجنب استنساخ تجربة علاقة الدولة بتيارات “الإخوان المسلمين”.
كان التدافع واضحاً، لكنه انصب على هدف الإدماج داخل الحياة العامة. وقد كان للإسلاميين دورهم في حماية الحياة العامة والمساهمة في البناء الديمقراطي، خاصة منذ 2011 إلى الآن، من خلال عدم انسياقهم مع العنف والفوضى التي طبعت تلك المرحلة التي عُرفت بـ”الربيع العربي”. لهذا، كان لهم دور بارز في البناء والإصلاح.

إن المغرب استطاع أن يكون نموذجاً في المنطقة العربية والمتوسطية بفضل خياراته: خيار الإصلاح من الداخل، خيار الاستماع لنبض الشارع، وخيار التغيير بإرادة ذاتية من الدولة والقوى الحية. هذه الخيارات بنيت على توافق جديد أدى إلى تحقيق المغرب قفزته، وخروجه من دائرة الاضطراب السياسي نحو الاستقرار، المبني على حسم التوافقات والتوجه نحو تجديد المؤسسات بما يتطلبه الوضع الراهن داخلياً ودولياً.