عبرت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي “أمريك”، عن تشكيكها في مصداقية الأرقام الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط بشأن نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024 في شقه المرتبط باللغات المستعملة، معتبرة أن هذه الأرقام تفتقر “للمصداقية العلمية في المنهجية المعتمدة لجمع المعطيات، وانعكاس ذلك على نتائج تحليلها، إذ لا تعكس بدقة الواقع اللغوي الحقيقي للمغاربة”.
وذكرت الجمعية، في بلاغ لها، بأنها سبب وسجلت باستياء شديد ما شاب عملية التحضير لعملية الإحصاء العام لسنة 2024 من “إقصاء ممنهج للأمازيغية من قبل المندوبية السامية للتخطيط، وهو الأمر الذي ظهر جليا من خلال عدم استحضار اللغة الأمازيغية كلغة رسمية، كما لم يتم إشراك المجتمع المدني والفعاليات والباحثين المتخصصين في الأمازيغية في عملية التحضير، حتى يتم استثمار خبراتهم في مجال التعدد اللغوي والتنوع الثقافي بالمغرب وذلك لوضع استمارة أسئلة تنسجم مع الواقع اللساني والثقافي المغربي وفق الإطار الدستوري الجاري به العمل”.
كما سجلت الجمعية “عدم إشراك المؤسسات الوطنية، خاصة التي تعنى بتدبير التعدد اللغوي والثقافي بالمغرب في أي نقاش علمي عمومي، من أجل وضع منهجية متعددة الأبعاد تسمو بعملية الإحصاء من مجرد تجميع مضامين استمارات ونشر أرقام جافة، إلى فرصة لإنتاج بنك معطيات يساهم في خلق سياسة عمومية لغوية وثقافية تساهم في بناء مغرب ديمقراطي”.
وأضاف البيان ذاته: “لقد تبين للجمعية من خلال المعطيات التي تم تجميعها من تتبع سير عملية الإحصاء العام، أن طبيعة البيانات والمعلومات التي تم تجميعها، سواء من خلال الاستمارة القصيرة أو الطويلة، لا يمكن أن تساهم في إعداد سياسة عمومية لغوية وثقافية تراعي المقتضيات الدستورية، خاصة ذات الصلة بالأمازيغية كلغة وثقافة وهوية، بوصفها رصيدا لجميع المغاربة، وما بني على باطل فهو باطل”.
واعتبرت الجمعية أن المندوبية السامية للتخطيط “فشلت في تفسير أحكام الدستور حول التعدد اللغوي بالمغرب، من خلال الخلط بين اللغة العربية والدارجة المغربية، وهما شيئان مختلفان”.
واتهمت الجمعية، المندوبية، بالإصرار على “التمادي في الأخطاء السابقة خلال كل عملية إحصاء، وذلك بتصنيف المغاربة من خلال التعبيرات التي يتحدثون بها، وهو في عمقه تصنيف إثني أكثر مما هو ديموغرافي. وهي بذلك تتمادى في مخالفتها للتاريخ والواقع بإظهار نتائج تقزم عدد المتحدثين بالأمازيغية بالمغرب، من خلال إحصاء المواطنين المتواجدين بالمدن الكبرى كمتحدثين بالعربية، والكيل بمكيالين عندما تتحدث عن اللغة التي يتحدث بها المغاربة”.
وأوضح البلاغ ذاته أنه “عندما يتعلق الأمر باللغة الأمازيغية، فهي (المندوبية) تتحدث عن أمازيغية الريف، وأمازيغية الأطلس، وأمازيغية سوس…، في حين عندما يتعلق الأمر بالدارجة فهي لا تشير إلى اختلاف التعبيرات الدارجة بمختلف مناطق المغرب (دارجة الشمال، دارجة الشرق، دارجة الغرب، دارجة الوسط، دارجة الجنوب…).
واعتبرت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي أن الأرقام الصادرة عن مندوبية الإحصاء المتعلقة باللغة الأمازيغية “بافتراض صحتها” فهي تؤكد أن الدولة المغربية “فشلت في تدبير ملف الأمازيغية، وأن استمرار نفس المقاربة قد تؤدي باللغة الأمازيغية إلى الانقراض”.
وأبرزت أن السياسات العمومية المتبعة فشلت في إدماج الأمازيغية في التعليم، الإعلام، الإدارة، ومختلف مناحي الحياة العامة، وذلك بدليل نسب استعمال اللغة الأمازيغية الواردة في نتائج الإحصاء العام.
ودعت الجمعية إلى ضرورة العمل على التسريع بالتنزيل السليم للمقتضيات الدستورية ذات الصلة بالأمازيغية بوصفها ملكا لجميع المغاربة في إطار الوحدة الوطنية المحترمة للتنوع، مع تنفيذ التوجيهات الواردة في مختلف خطابات الملك بشأن الأمازيغية.
كما دعت إلى ضرورة نهج مقاربة جديدة تعتمد التمييز الإيجابي لصالح الأمازيغية لتدارك أخطاء ومقاربات السياسات العمومية منذ استقلال المغرب إلى اليوم،والتي أوصلت الأمازيغية إلى هذا الوضع الخطير.
وأوصت “أمريك” بضرورة تحمل الجميع لمسؤولياته التاريخية والوعي بالأبعاد المختلفة للتمادي في سياسات عمومية تقصي الأمازيغية وتقلص من حجمها، مما يفتح المجال أمام تطورات يصعب التكهن بها وبمآلاتها، وكذا استعجالية إعادة النظر بشكل جذري في السياسات العمومية المعتمدة وإعداد خطة وطنية حقيقية للنهوض بالأمازيغية لغة وثقافة وهوية.
كما شددت على ضرورة فتح نقاش عمومي وطني حول وضعية ومآل الأمازيغية والعمل على خلق تعبئة وطنية، من أجل إنقاذ الأمازيغية لغة وثقافة، بوصفها أهم مميز للهوية الوطنية في عالم يهدم الخصوصيات الوطنية لصالح لغات وثقافات أجنبية مهيمنة، وفي غياب ذلك، فإن اللغة الأمازيغية التي حافظت على وجودها على أرضها لقرون مهددة بالانقراض في الأفق المنظور.