• تمنح للناقل الوطني صفة “شريك” دولي “رسمي”.. اتفاقية شراكة استراتيجية بين “لارام” و”الكاف”
  • باها: المنتخب الوطني حقق اللقب عن جدارة واستحقاق
  • بسبب سوء الأحوال الجوية.. إغلاق ميناء الحسيمة
  • مصالح الأمن الوطني.. حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية
  • عقب فوزهم بكأس إفريقيا للأمم 2025.. جلالة الملك يهنئ “أشبال الأطلس”
عاجل
الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 على الساعة 09:40

حزب “الراب” للقوات الشعبية

حزب “الراب” للقوات الشعبية

“ريتش ديال الزنقة ماشي تيك توك”، بهذه الجملة، يعبر الرابور دادا، الفخور بأصوله الأمازيغية، عن الجوهر الحقيقي للراب المغربي. فن لا يستمد قوته من الشهرة السريعة والعابرة على منصات التواصل الاجتماعي، بل من جذوره العميقة في الشارع، حيث يلتقي الواقع القاسي بالطموحات الشبابية. الراب المغربي، كما يراه دادا وآخرون، ممن وصفوا بـ”السلاكط”، هو صوت جيل باحث عن مساحة للتعبير، بعيدا عن زيف وسطحية شبيبات “كيلي ميني”.

مع تصاعد حضور الراب المغربي كأحد أهم أشكال التعبير الفني للشباب، أو ما يسمى فن الشارع وفي فترة من الزمن بـ”نايضة”، أصبح هذا الفن يمثل أكثر من مجرد موسيقى؛ إنه منصة مفتوحة لنقل الأفكار والرسائل، رغم اختلافنا معها جزئيا، وفي العديد من الأحيان كليا. وبعيدا عن الأضواء التقليدية وبفضل المنصات الرقمية، لم يعد الراب مجرد صوت هامشي، بل بات فنا مؤثرا في تشكيل وعي جيل كامل. فنانون شباب يتحدثون بلغة دارجة ويتبادلون أفكار مشتركة مع جمهورهم، يتحدون القيود ويعيدون صياغة “حوار اجتماعي” بطرق غير مسبوقة. ولنكن أكثر جرأة، إنها طرق في معظمها راديكالية.

لم يكن الطريق ممهدا أمام الراب المغربي، ويمكن أن هذه الطريق الصعبة ولدت ردود فعل قوية حاليا. ففي بدايات الألفية الجديدة، شهدت الساحة الفنية المغربية واحدة من أغرب “الكلاشات”، بين المثقف والرابور، عبر أغنية لـ“البيغ” وفرقة “هوبا هوبا سبيريت”، بعد تصريحات الكاتب المسرحي عبد الكريم برشيد في القناة الثانية، الذي وصف الراب بأنه “فن مُهرب” وغير لائق بالثقافة المغربية لأن اليابان، في نظره، لا يستمعون لأحيدوس. التصريح أدى إلى رد فعل قوي عبر الأغنية الشهيرة “قولو باز”، حيث تم مواجهة هذه الانتقادات بشكل مباشر وصريح، ما أثار جدلا واسعا حول نقاش مدى قبول هذا النوع من الموسيقى في المجتمع المغربي.

إلى جانب هذا الجدل، لعبت أصوات إعلامية إسلامية دورا قمعيا في محاولات القضاء على هذا الفن في بداياته، حيث كانت تروج لأفكار رفض الراب، مطالبة باجتثاثه. وكان هذا واضحا في معارضتها الصريحة أيضا لمهرجان “البولفار”، الذي كان يعتبر منصة مهمة لتقديم الفنانين الشباب في مجال الراب والموسيقى البديلة. كما وصلت الأمور إلى حد محاكمة عدد من الفنانين الشباب، المهووسون بالميتال، بتهم تتعلق بعبادة الشيطان، في قضية أثارت الكثير من الجدل في الأوساط الفنية والثقافية.

اليوم، وبعد مرور سنوات على هذه الأحداث، أصبح الراب المغربي واقعا لا يمكن تجاهله. ما كان في البداية مجرد محاولة للتعبير عن طموحات الشباب ومشاكلهم بلغتهم الخاصة، تحول إلى صوت يعكس أفكار جيل كامل. الشباب الذين كانوا يستمعون إلى الموسيقى المشرقية أو الغربية كملاذ للتعبير، وجدوا في الراب المغربي مساحة حرة للتعبير بلغتهم اليومية عن قضاياهم وهمومهم.

وهنا سأتحدث عن نقطتين. أولا، الراب المغربي وجد في السنوات الأخيرة أرضية خصبة للنمو والانتشار بفضل تفاعل قوي بين جيل الشباب؛ فالمرسل شاب والمتلقي شاب، وكلاهما يمتلك رغبة طبيعية في معارضة آراء الكبار، وهنا يشكل الدعم المتبادل بينهم عنصرا أساسيا في تعزيز هذا الفن، إذ يساهم الجمهور الشاب في دعم فناني الراب ماديا ومعنويا عبر متابعة محتوياتهم على هذه المنصات، وشراء الألبومات والمنتجات الموسيقية، ما يخلق نوعا من التضامن الذي يعزز مكانة هذا الفن.

ثانيا، كان فنانو الراب، في السابق، يعتمدون بشكل رئيسي على عدد محدود من المهرجانات الموسيقية لكسب المال وتأمين معيشتهم. كانت تلك الفعاليات، ورغم ندرتها، بمثابة المنصة الوحيدة التي تتيح لهم فرصة الظهور وتحقيق بعض الإيرادات. لكن مع التحولات الكبيرة في العصر الرقمي، تغيرت المعادلة جذريا.

مع ظهور منصات رقمية مثل تيك توك، وفيسبوك، وسبوتيفاي وديزر ومداخيل أدسنس وغيرها، تمكن فنانو الراب من الوصول مباشرة إلى جمهورهم وكسب المال من خلال إنتاجاتهم الفنية. هذه المنصات الرقمية منحتهم استقلالية مادية غير مسبوقة، حيث لم يعودوا مضطرين للاعتماد على المهرجانات أو دعم المؤسسات التقليدية للتعبير عن أنفسهم. عامل ساهم في تمكينهم من الحديث بحرية تامة عن القضايا التي تهمهم وتؤثر فيهم، دون المرور عبر القنوات التقليدية التي كانت في الماضي قد تفرض عليهم قيودا في ما يمكنهم قوله أو التعبير عنه.

ورغم كل هذه الفرص والاستقلالية التي أتاحتها التكنولوجيا، لا يزال الراب المغربي يواجه نوعا من الحذر من وسائل الإعلام التقليدية. هذا الفن لا يحظى بنفس الاهتمام أو الدعم الذي تمنح للفنون الأكثر تقليدية أو تلك التي تراعي الذوق العام. وسائل الإعلام التقليدية غالبا ما تتجنب تسليط الضوء على الراب بسبب رسائله التي يطرحها، وهو ما يزيد من اعتماد فناني الراب على المنصات الرقمية للاتصال المباشر مع جمهورهم دون الخضوع للرقابة أو القيود التي قد تفرضها تلك الرسائل. لكن هنا يجب التنبيه أيضا على أن شق كبير من فنانين الراب لا يقمون بمجهود إضافي لإصدار نسخ لموسيقاهم موجهة للإعلام.

إن الحذر “غير مبرر” وتجاهل هذا الفن وعدم أخذه على محمل الجد، واعتبارهم “سلاكط كيلعبو”، يمكن أن يؤدي إلى تطور غير متوقع، وقد يتحول الراب إلى قوة مؤثرة أكثر مما هي عليه اليوم.

هنا يمكن مقارنة الراب بـ“الأولتراس”، التي بدأت كجماعات داعمة للفرق الرياضية، ولم تؤخذ على محمل الجد في البداية. ومع مرور الوقت، أصبحت الأولتراس أكثر تنظيما وتأثيرا، وتحولت إلى قوة لا يمكن السيطرة عليها بسهولة. الراب، كالأولتراس، قد يصبح ظاهرة يصعب كبحها إذا استمر تجاهلها، لأنه يمثل صوتا لم يتم الانتباه إليه في الوقت المناسب، أو مجازا بلغة الرابور لمورفين: “… داك الشي علاش كندير للراب علاقة بالبالون…”.

الراب الجديد ليس مجرد فن موسيقي، بل هو مساحة لسماع صوت واضح للشباب، وتهميش أو استخدام العقاب أو فرض القوانين الصارمة على هذا النوع من الفن لن يكون الحل الأمثل، بل سيزيد من التوتر بين الشباب ومحيطهم. هو انعكاس لأفكار، وإن كان هذا الصوت يعبر عن غضب أو استياء، فالحل يكمن في فهمه والتفاعل معه واستيعابه.

المجتمع والمؤسسات مطالبون بالاستماع لهذه الأصوات ومحاولة فهم الرسائل التي تحملها، وعدم اعتبارها مجرد فن موسيقي عابر أو “فروماج أحمر مهرب”، فكرة روج لها المثقفون من أبراجهم العاجية المتآكلة. ففي يوم من الأيام، قد يجد المجتمع نفسه أمام “خطر قادم من الراب”، حيث يكون هذا الجيل قد أصبح أكثر جرأة، إن لم نقل “عدوانية”، وأكثر رفضا لتغيير أفكاره، أو محاولة تأطيرها على الأقل.