اعتبر مصطفى الرميد، وزير العدل الأسبق، أن المعطيات الديمغرافية “الصاعقة” التي كشفتها نتائج تستوجب التأني في البلورة النهائية لتعديلات مدونة الأسرة.
وقال الرميد، في منشور على صفحته على الفايس بوك، “من حقنا- نحن المغاربة- ونحن نعيش في عالم قلق ومضطرب، أن ننوه بمتانة مؤسسات بلادنا، واستقرار أحوالنا، والرشد في منهجية مقاربة مشاكلنا”.
واعتبر الرميد أن الدلائل على ذلك كثيرة، “لعل أهمها، هو الطريقة التي عولج بها إلى حد الآن، موضوع تعديل مدونة الأسرة، خاصة اعتماد القاعدة الذهبية التي تقول (لا أحل حراما، ولا أحرم حلالا)، وهي القاعدة التي أكد عليها جلالة الملك مرارا وتكرارا، وجعلها لازمة من اللوازم الثابتة في خطبه المتعلقة بالموضوع”.
وتابع الوزير الأسبق: “اللجنة التي أناط بها جلالته مهمة إعداد التعديلات المطلوبة، بلورت أمر بإحالة المقترحات على الرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى، الذي قرر ما قرر، على سبيل الاجتهاد، مما يمكن للمرء أن يتفق معه فيه أو يختلف، ولا ضير في ذلك، ولكن الكلمة الأخيرة هي للمؤسسات، وفي هذا السياق لا كلمة تعلو في القضايا الشرعية على كلمة المجلس المذكور، وهذا هو منطوق الدستور الذي لا محيد عنه”.
غير أن هذا لا يمنع، حسب المتحدث، من “إثارة الانتباه إلى ما ينبغي، وما يجب، باعتبار أن المملكة قامت بإنجاز احصاء عام للسكان والسكنى هذه السنة، وكان حريا التمعن الجيد في معطيات هذا الإحصاء، خاصة وان من مقاصده هي تكوين قاعدة للمعاينة لإنجاز البحوث لدى الأسر”.
واعتبر الرميد أن “مما يثير الخوف والقلق، هي المعطيات الإحصائية التي تفيد بتواصل انخفاض معدل الخصوبة الكلي، حيث أن المتوسط الوطني كان سنة 2004 في حدود 2.5 في المائة، واذا به ينخفض سنة 2014 الى نسبة 2،2 في المائة، لينخفض مرة أخرى سنة 2024 الى نسبة 1.97 في المائة، وهو انخفاض ينذر بأوخم العواقب على المستقبل الديمغرافي للبلاد إن استمر في هذا المنحنى الصعب”.
كما سجل الرميد أن هذا الانخفاض الحاد للخصوبة كان من تجلياته المباشرة انخفاض مستوى حجم الأسر، فبدل عدد: 5.3 فرد في كل أسرة سنة 2004، اذا بنا ننزلق إلى 4.6 سنة 2014، ثم إلى 3.9 فرد سنة 2024، لافتا إلى أن هذه المعطيات أدت إلى تباطؤ النمو السكاني، حيث كان هذا النمو بنسبة 1.38 في المائة، ما بين سنتي 1994 إلى 2004، وبنسبة 1.25 في المائة بين سنتي 2004 و2014، ليصل الى مستوى 0.85 في المائة مابين سنتي 2014 و2024.
ووصف الرميد هذه المعطيات الديمغرافية بـ”الصاعقة”، موضحا أنه “يبدو وكأنها لا تعني أي شيء، بدليل عدم فتح نقاشات عمومية واسعة حولها، وعدم قيام الفاعلين المعنيين بتقديم اجابات بشانها”، معربا عن أسفه لأن هذه المقترحات التعديلية لمدونة الأسرة “تأتي وكأن هذه الإحصائيات عادية، ولا تعني الأسرة من قريب أو بعيد”.
وقال الوزير الأسبق على إن “مستقبل بلادنا مهدد ديمغرافيا، وعلينا أن نتساءل عن الأسباب والعلل، ونقارب كافة الإصلاحات الأسرية على ضوء هذه الأرقام المنذرة”.
وعلى هذا الاساس، يضيف الرميد، “فإنه إذا كانت هذه المقترحات ستسهم في الحد من الانحدار الديمغرافي فمرحى وألف مرحى، أما إذا كانت ستكرس مزيدا من الانحدار والتراجع السكاني، فإنه ليس من الحكمة اعتمادها”.
ودعا الرميد إلى “التأني الضروري في البلورة النهائية للتعديلات، واعتبار موضوع الاشكالية الديمغرافية أم المشاكل التي ينبغي التصدي لها بكافة الحلول الممكنة، ومنها الحلول التشريعية التي تهم الأسرة، دونما أي اعتبار جزئي كيفما كان نوعه وأهميته، إذا كان في النهاية سيؤدي إلى ضياع الاعتبارات الكلية.
واعتبر المتحدث أن “مما يثير الإنتباه أيضا أن مدونة الأحوال الشخصية لسنة 1957 كانت تنص في أصلها على تعريف الزواج بأنه (ميثاق ترابط وتماسك… إلى أن تقول؛ غايته العفاف وتكثير سواد الأمة) هكذا كان وعي الرواد الأوائل بأهمية العامل الديمغرافي، وعلاقته بالأسرة، غير أن مدونة الأسرة لسنة 2004، استغنت على هذه المعطيات في تعريف الزواج”.
ولفت الرميد إلى أنه “وبعد عشرين سنة يبدو واضحا أنه من الملاءم أن نراجع حساباتنا، وأن نفكر عميقا، وبعيدا، في مستقبل المغرب، مغرب الأجيال القادمة التي لربما قد تضيع في أهم مقوماتها، بسبب حساباتنا الصغيرة، وقصور نظرنا”.