• مصر.. حاتم عمور في ضيافة السفير المغربي
  • الإعدام لـ”ولد الفشوش” قاتل الشاب بدر.. آش قالو المغاربة؟
  • بعد مرور سنوات على استقرارها في كندا.. سناء عكرود تعود للعيش في المغرب
  • “جازابلانكا”.. الفرقة البريطانية الشهيرة “UB40” تحتفل بعيد ميلادها ال45 رفقة جمهور البيضاء
  • إجراءات جديدة.. وزارة الثقافة تحصن التراث المغربي ضد السطو
عاجل
السبت 25 مارس 2017 على الساعة 15:20

ابن كيران.. قصة مجرد رئيس حكومة!

ابن كيران.. قصة مجرد رئيس حكومة!

في بادئ الأمر كان الكلام..
بحث عن من يفهمه، ففهمه البعض، وحار في أمره البعض الآخر. “فهمتيني ولا لا؟” جملة دشن بها عبد الإله ابن كيران مساره على رأس حكومة شكلها بعد 36 يوما من تعيينه في ميدلت سنة 2011.
وقبل أن يكون ابن كيران ما هو عليه اليوم، كان مجرد أمين عام لحزب العدالة والتنمية، ومجرد رجل سياسة، ومجرد داعية قبل كل شيء. الحديث في هذه السطور سيكون عن رئاسته للحكومة. إنها قصة “مجرد رئيس حكومة” غير عادي.

طريق ميدلت
لم يكن السي عبد الإله معروفا عند عدد كبير من المغاربة، إلا أن حربه مع حزب الأصالة والمعاصرة، منذ توليه الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية سنة 2008، لعبت دورا في تسليط الأضواء عليه.
خطابات هنا، لقاءات هناك، تصريح قوي في تجمع خطابي، حوار ناري في صحيفة، جعلت الرجل يأخذ مكانه في المشهد السياسي، إلى أن هبت رياح “الحريق” العربي على المغرب سنة 2011.
عارض ابن كيران لحظتها دعم حزبه لحراك الشارع خوفا من المصير المجهول، مصير تونس، ومصر، واليمن، وليبيا، وسوريا التي لازالت تتخبط في الحرب. انتقده الأصدقاء قبل الأعداء، لكنه أصر على موقفه.
كان أمر رئاسته للحكومة مجرد مزحة في أبريل 2011، عندما حل ضيفا على برنامج “حوار”، رحمه الله، حيث قال جملته الشهير للصحافي يونس مسكين المتسائل بسخرية عن استعداده لدخول الحكومة: “علاش غادي نوجد راسي؟ أنا واجد”. ومن داك الوقت بدا يوجد لرحلة ميدلت.
انخرط الرجل وحزبه في الاستعداد لاستفتاء يوليوز 2011، الذي أفرز دستورا جديدا، عارض فيه حزبه فكرة الدولة المدنية.
مر الاستفتاء ودخل السياسيون مرحلة المنافسة على مقاعد البرلمان. لم يكن متوقعا في أول الأمر أن حزب المصباح سيتمكن من الحصول على 107 مقاعد، لكن ذلك ما سيحصل لاحقا.
من الصدف، في مرحلة الحملة الانتخابية، أن دخل عبد الإله ابن كيران إلى جانب نبيل بنعبدالله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، استوديو “ميد راديو”. لم يكونا يعرفا بعضيهما جيدا، رغم زمالتهما السياسية، ومع ذلك سيكون الوعد في برنامج الصحافي رضوان الرمضاني، هذا الأخير الذي سيطرح سؤالا، ساخرا مرة أخرى، عن عدد المقاعد التي سيمنحها ابن كيران لبنعبد الله إن فاز برئاسة الحكومة، وسيكون جواب ابن كيران: “أنا ما كنتش كنعرف بنعبد الله مزيان حتى لهاد الدرجة، وأنا من عندي وعلى هاد الكلام غادي نعطيه 7 الحقائب وزارية يلا خديت رئاسة الحكومة”.
دخل ابن كيران وبنعبد الله للاستوديو زملاء، فخرجا منه أصدقاء، وأحبابا. التقطا صورا في مقر الإذاعة، وذهب كل إلى حال سبيله. لم يخلف ابن كيران وعده، وإن لم يعط للتقدم والاشتراكية 7 حقائب وزارية، لكن الحب بين الحزبين استمر.
وفي يوم السبت 26 نونبر 2011، سيعلن عن المفاجأة. 107 مقاعد للمصباح. الفرحة التي كانت ليلة الجمعة 25 نونبر في مقر البيجيدي تأكدت في مقر وزارة الداخلية في الرباط.
في غمرة الحدث، كان السؤال الساخر مرة أخرى، السؤال الساخر الذي يحمل في طياته شخصية الرجل ومرجعيته الإسلامية، “واش ملي غادي تمشي يستقبل الملك باش يعينك رئيس حكومة غادي تلبس الكرافاطا؟”، كما صاغه الصحافي رضوان الرمضاني، وسجله موقع “كيفاش” بكاميرا الهاتف. بعفويته رد ابن كيران أنه سيرتدي الكرافاطا عند لقاء الملك، “ومن بعد يحن الله”، حسب تعبيره.
الرجل غادي يلبس الكرافاطا، وغادي يستحلاها حتى من بعد الإعفاء من تشكل الحكومة. فهمتيني ولا لا.

الإطفائي مول العوافي
ابن كيران غادي يدخل بعجاجتو إلى الحكومة. بعد ضجة “امرأة واحدة في الحكومة”، سيرتدي رئيس الحكومة بذلة الإطفائي، وسيضرب بيد من حديد جيوب المضربين، وسيمتص غضب الشارع. وفي باقي السنوات لن يتردد في تذكير الكل أنه أطفأ نار “الحريق” العربي في المغرب، “ولا منا على الله”، كما يقول المثل المغربي.
وإذا كان ابن كيران أطفأ حريق الاحتجاج فإنه أضرم النار في جيوب المواطنين، حسب معارضيه والنقابات. غلاء في الأسعار، الخوف من إصلاح صندوق المقاصة، رفع الدعم عن المحروقات، الرفع من ثمن قنينة الغاز، كلها أمور ستشغل الرأي العام في الشهور الأولى لتوليه منصبه.
شهورا بعد الحديث عن أسعار حكومة “بنزيدان”، سيخرج رئيس الحكومة في لقاء مع القناتين العموميتين ليتكلم إلى المغاربة ويسرد لهم قائمة المواد الغذائية التي لم يرتفع سعرها، ابتداء بـ”البنان” والتفاح ومطيشة، مرددا “واش فهمتيني ولا لا؟”.
وفي عز الحرب على الأسعار سيخرج ابن كيران سلاح “شعبويته”، مرة أخرى حسب منتقديه، وسيقحم فاعلين جدد في المشهد السياسي المغربي، وهم التماسيح والعفاريت، وسيشغل بال الرأي العام لشهور، بين ساخر وباحث عن الكائنات السياسية، وسيكتشف المغاربة لغة جديدة تحت قبة البرلمان وفي الحوارات التلفزيونية.
السنة الأولى لابن كيران، بحث فيها عن ثقة الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين، وسيخلق مجددا الحدث، وهذه المرة على قناة الجزيرة. في حوار من جزأين، سيعلنها عبد الإله ابن كيران مدوية، “عفا الله عما سلف”، هي الجملة التي أشعلت النار مرة أخرى، وسيتساءل الكل عن هدف ابن كيران من العفو عن الناهبين والمفسدين.
سنة 2012 ستكون صعبة بالنسبة إلى ابن كيران وحتى بالنسبة إلى المواطن البسيط. ففكرة مشروع إصلاح الصندوق ستدب الرعب في النفوس، رغم إعطاء ابن كيران وعدا بتوجيه جزء من الدعم الحكومي بطريقة مباشرة للشرائح الفقيرة، وهو ما لم يحصل بعد الإصلاح، فدعم الأرامل والمطلقات لم يكن كافيا، يقول دائما المعارضون.
ستمر السنة الأولى في الأخذ والجذب، وسيدخل ابن كيرن في صراع مع خصومه، وأولهم صلاح الدين مزوار، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، وستنفجر قضية شيك 250 مليون، الذي وقعه مزوار قبل مغادرة وزارة المالية. شد ليا نقطع ليك بين ابن كيران ومزوار ستنتهي بـ”عفا الله عما سلف”. ورغم أن الكل كان ينتظر نهاية التجربة الحكومية، سيعوض حزب الحمامة حزب الاستقلال في الحكومة، وستدق طبول حرب “الكُذاب” بين ابن كيران وشباط.
لن يكون عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، ومحمد بوسعيد، وزير المالية، أحسن حظا من مزوار وشباط، رئيس الحكومة سينفجر في وجه الرجلين في أحد الاجتماعات الحكومية طالبا توضيحات في قضية “صندوق التنمية القروية”، لتشتعل النار بين الثلاثة، ويتهم الوزيران بـ”استغباء” رئيسهما.
ستمضي الحكومة في قرارات “لا شعبية”، لكنها في نظر رئيسها الحل الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وعوض أن يبحث عن ناهبي صندوق التقاعد سيتجه إلى الرفع من سنه ما سيغضب العمال. وسيرفع الدعم على المحروقات ما سيغضب أصحاب السيارات. وسيخرج قانون الإضراب ما سيغضب النقابات. وسيسن التوظيف بالكونطرا ما سيغضب الموظفين. وسيدفع إلى المصادقة على قانون تشغيل القاصرات ما سيغضب الحقوقيين. وسيتخلى عن بعض من صلاحياته ويعلن أنه “مجرد رئيس حكومة” ما سيغضب السياسيين. وسيقترض من الخارج ما سيغضب المحللين الماليين. وسيرفع ثمن الماء والكهرباء ما سيغضب الفقراء. وسيمنع الميكا حبيبة الجماهير وسيغضب صناعها. وسيغير لازمته الشهيرة “فهمتيني ولا لا؟” بأخرى جديدة هي “انتهى الكلام”.

لسان أرض جو عابر للقارات
كلام عبد الإله ابن كيران صاروخ أرض جو، عابر للقارات، وهو ما سيدفع عددا كبير من المغاربة إلى تتبع الجلسات الشهرية في البرلمان بغرفتيه لمشاهدة “ابن كيران شو” أو ما سمي “العادة الشهرية”. الرجل يكره القراءة من الأوراق التي يعدونها له سابقا، ويتلذذ في الخطاب الارتجالي والصدامي مع خصومه.
لن يترك رئيس الحكومة خصما تحت قبة البرلمان دون جواب، جواب “شعبوي” و”هجومي”، وفي بعض الأحيان وصفوه في المعارضة بـ”الوقح”.
في جلسة من جلسات المساءلة الشهرية، وصف ابن كيران المرأة بـ”الثريا”، تصريح أغضب الحركة النسائية، ورأت فيه إساءة إلى المرأة، ما سيدفعها إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان.
وفي جلسة مساءلة أخرى سيدخل ابن كيران في أخذ ورد مع ميلودة حازب، رئيسة فريق الأصالة والمعاصرة في مجلس النواب، التي قالت، مخاطبة رئيس الحكومة، “حزب الأصالة والمعاصرة أكبر منك”، ليجيب ابن كيران: “ديالي اللي كبير عليك”، وهو التصريح الذي اعتبر خارج “أداب الحوار”، و”كلاما ساقطا للرد على ملاحظاتها وشيئا غير مقبول من طرف رجل دولة”، حسب حازب. لكن ابن كيران اعتبر أن من أول كلامه “سفهاء ويتكلمون بالسفاهة، ويتعاملون فيما بينهم بالسفاهة”.
عبد الإله ابن كيران “المعجب” بترديد كلمة سفاهة سيستعملها ضد الاتحاديين. ففي جلسة شهرية ثار جدل حاد بين رئيس الحكومة وبرلمانيين من المعارضة، بعدما وصف ابن كيران إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الرودة، بـ”السفاهة”، لتنتشر فوضى عارمة وسط المجلس.
وكاد رئيس حكومة تصريف الأعمال أن يحدث توترا ديبلوماسيا مع جمهورية كولومبيا بعد أن أقحم البلد المذكور في صراعه مع إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة. وحذر ابن كيران في تصريحه من تحول المغرب إلى كولومبيا جديدة ودولة عصابات على يد دعاة تقنين الكيف، كلام قيل إنه أغضب كولومبيا ودفعها إلى استدعاء السفير المغربي للاحتجاج على تصريحات ابن كيران، وهو الأمر الذي كذبه ناصر بوريطة، كاتب الدولة في الخارجية، فيما بعد.
وأياما قبل فوز دونالد ترامب في رئاسيات الولايات المتحدة الأمريكية قال ابن كيران، في تصريح لقناة “الحرة” الأمريكية، في شهر أكتوبر الماضي، إن المرشحة الديمقراطية هلاري كلينتون هي صديقة المغرب ومن مصلحة المغرب والعالم أن تكون هي الرئيسة. وأضاف: “وصول دونالد ترامب إلى رئاسة أمريكا أمر مخيف”.
كما لم يمر تصريح ابن كيران حول تدخل روسيا في سوريا مرور الكرام، إذ شجب فاليري فوروبيوف، سفير روسيا في المغرب، في دجنبر 2016، التصريحات التي أدلى بها رئيس الحكومة، بخصوص علاقة روسيا بالصراع في سوريا. وكان رئيس الحكومة أكد أن ما يجري من تصعيد عسكري من النظام السوري وروسيا في حلب، يدمي القلب، وغير قابل للفهم.
5 سنوات كان فيها عبد الإله ابن كيران يختار حروبه بعناية، ويطلق العنان للسانه، وينهي كلامه بلازمته الشهيرة.

فانتهى الكلام
تصريحات عبد الإله ابن كيران كما قراراته، ورغم خطورتها، ستدفع بالحزب إلى الفوز بـ123 مقعدا برلمانيا في انتخابات 2016. سيتقوى الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بهذا الرقم بعد تعيينه رئيسا للحكومة في أكتوبر الماضي.
سيدخل حزب الاستقلال من الباب وسيخرج من النافذة بسبب لسان شباط. سينتظر ابن كيران انتخاب أخنوش على رأس حزب التجمع الوطني للأحرار، وسيذكره أن 37 هي 37. سيخرج أخنوش من بيت ابن كيران لوحده وسيعود إليه بـ3 أحزاب. سيرغب السي عبد الإله في دخول لشكر إلى الحكومي وسينقلب التحالف إلى باطاطا.
5 أشهر من البلوكاج، ستدفع الملك إلى توجيه الإنذار الأول لابن كيران في المقابلة، بإرساله مستشاريه للتنبيهه أن تشكيلته تأخرت. وفي وقت انتظر الكل مآل البلوكاج سيخرج الملك الورقة الصفراء الثانية.. لينتهي الكلام ويعم الصمت. خرج ابن كيران بإعفاء، يوم الأربعاء (15 مارس)، وعوضه سعد الدين العثماني صديقه “اللدود” في الحزب.
سيعلنها ابن كيران صراحة، يوم 18 مارس، في المؤتمر الوطني الاستثنائي لحزب المصباح، “أنا بالنسبة للحكومة انتهيت”، كلام واضح في خطبة وداع أوضح.

والحال اليوم أن الكلام انتهى.. لكن ابن كيران لم ينته بعد…