لن أتضامن مع الزميل خالد فاتيحي، وهو الذي استعان بالله في تدوينة كتب فيها “لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم {النساء:148}”، ليس استكبارا، فالرجل يعزّني وأعزهّ، ولكن بسبب تراكمات جعلتني أعيد النظر في فكرة التضامن بمطلق أنواعها. في المقابل، وجدت نفسي أقرر التضامن مع عبد الإله ابن كيران.
ولمَ لا؟ ولمَ الاستغراب؟ عبد الإله يحتاج منا تضامنا من نوع آخر، ومن كل الأنواع الأخرى. تضامنا ضد نفسه الأمارة بالسوء، ضد عناد ذاته وتجبّره على روحه. عبد الإله رهينة عند ابن كيران نفسه، وكأنما اختطف عقله في دهاليز ذاته المتضخمة. لا أبالغ إن قلت إن هذا الرجل الذي يقف أمامنا الآن ليس ذاته الذي عرفناه يوما. وكأني به كان متواريا خلف ستار الفضيلة، بينما يصرّ اليوم على أن “يجهر” بوجهه الآخر، ويقول “لي ليها ليها.. نعيشو بجوج (هو والبيجيدي) ولا نموتو بجوج”.
“الراڭد” الذي استوطن رحم حزب المصباح، ولا يريد مفارقته، سار ما دون نفسه، ورحم الله أيام البغل والحمار. خطاب الرجل “تَحَوَرَ” حتى أصبح يصف زميلا صحافيا بـ”البرهوش”، وتجاوز حدود اللباقة حتى نعت شابا لا يبالي بوجوده بـ”الصلكوط”… وبدلا من رفض هذا الانحدار، وجدنا من يصفقون لهذه الإساءات، ويظهرون رعونة لا حدود لها. صمت هؤلاء، الذين هللوا لوصف زميلنا بـ”البرهوش”، عن تجاوزاته، وتملقهم للرجل يزيد من ركود الحزب وانحداره نحو الهاوية.
قبل سنوات، حين كان عبد الإله ابن كيران يعقد ندواته ويطلق تصريحاته، كان يبدو وكأنه يمضي بخطى ثابتة. ولكن في تلك اللحظة، شعرت أن الغرور بدأ يتسلل إليه، فكتبت مقالا بعنوان “السي ابن كيران.. إياك والغرور السياسي إنه يقتل القلب”. واليوم، تجاوز الراڭد مرحلة الغرور ليصل إلى مرحلة “الهترفة” السياسية والفكرية والأخلاقية، حتى إننا تمنينا أن يستمر في جداله مع عزيز أخنوش عوض هذه “الشوهة”.
لقد أصبح من الواجب على محيط الرجل التدخل لإنقاذ ما تبقى من صورته، وهو الذي كان يوما رئيس حكومتنا الموقرة، وترك أثرا لا يمحى على كل حال.
ولكن ما الذي حدث بعد العثماني والهروب الجماعي؟ أصبحت تصرفات الراڭد غرائبية. يقفز من هجوم إلى آخر، وكأنه يتخيل نفسه في معارك، جلها وهمية ولا طائل منها. يسب، يشتم، يطلق الأوصاف بلا تفكير، ويُظهِر تيهاً واضحا عن بوصلة الحكمة والرصانة. نعم، فقد الرجل رفيق دربه عبد الله باها، وابتعد عنه مصطفى الرميد وهرب سعد الدين العثماني، وغيرهم، وما قوله تعالى (ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضوا من حولك) إلا برهانا على تصرفاته… لكن من بقي إلى جانبه؟ مجموعة من المفتونين بشخصيته والمتملقين (ولعمري لم يسبق لي فكرت في سب أحد، لكن طيبوبة خالد وما تعرض له دفعتني لهذا)، الذين يصفقون لتجاوزاته بدلا من نصحه، ويزيدون بذلك من عزلته وعزلتهم.
أنقذوا روح الرجل، فهو لا يزال حاليا في الإنعاش السياسي والفكري والأخلاقي. وإن تُرك وحيدا في مصارعة نفسه “الأمّارة بالسوء”، سيموت متشبثا بكرسي الحزب، آخذا معه المصباح الذي يعتبره مصباحه لا مصباحهم، وفي الميم فروق شاسعة. فتواجد البيجيدي، رغم كل شيء، ضرورة سياسية، ولكن، إن استمر تأجير رحمه لفكر الراڭد، فلن نكون سوى أمام نهاية بئيسة لا نتمناها بكل صدق.
وأخيرا، أقول: أجهضوا هذا الراڭد قبل أن يُجهِض أحلامكم وأحلام جيل بأكمله.