نظّمت كلية العلوم الإنسانية بجامعة بنسلفانيا الأمريكية ندوة أكاديمية دولية حول العلاقات اليهودية-المسلمة في شمال إفريقيا، في شهادة قوية على استثناء المغرب في مجال التعايش الديني وصون الذاكرة المشتركة.
وحسب البلاغ الذي توصل به موقع “كيفاش”، جاءت المبادرة بتنسيق بين الأستاذة مها مروان، والأستاذ جوناثان بروكوب، مدير الدراسات الدينية، والأستاذة نينا ساران، مديرة دراسات الشرق الأوسط.
واستقطبت الندوة، حسب المصدر ذاته، أسماء مغربية بارزة، على رأسها الأستاذة زهور رحيحيل، مديرة ومحافظة متحف اليهودية المغربية بالدار البيضاء، إلى جانب الفنانين المغربيين اليهوديين نيطع القايم وعميت حاي كوهن.
فيلم زيارة
وانطلقت الندوة بعرض “زيارة”، وهو وثائقي مؤثر للمخرجةاليهودية المغربية سيمون بيتون، ترسم فيه مسار حجها لمزارات الأولياء اليهود “الصدّيقين”، في أنحاء المغرب. هذا الفيلم قدمته الأستاذة زهور رحيحيل، المتخصصة ذات الصيت الدولي في التراث الثقافي اليهودي للمغرب، التي رافقت سيمون بيتون خلال رحلتها الاستكشافية فى المزارات اليهودية بالمغرب.
وخلال تقديم الفيلم، شرحت زهور رحيحيل أن الوثائقي يكشف حقيقة مؤثرة: في غياب اليهود المغاربة، النساء والرجال المسلمون هم من صاروا حامي الذاكرة اليهودية، وحافظوا باستمرار على الأماكن المقدسة بعناية وتقدير.
المتحف اليهودي المغربي
وخلال مداخلتها، استعرضت الأستاذة زهور رحيحيل، التي تعرف، بشكل واسع، بكونها أول محافظة مسلمة لمتحف يهودي في العالم تجربتها الشخصية التي امتدت لأكثر من 25 سنة في صون التراث الثقافي اليهودي المغربي، مشيرة إلى أن متحف اليهودية المغربية تأسس بمبادرة من أربعة قادة من الطائفة اليهودية المغربية: سيرج بيرديغو، سيمون ليفي، جاك طوليدانو، وبوريس طوليدانو، في تسعينيات القرن الماضي، وشرحت أن المتحف لا يهدف فقط إلى حماية الماضي، بل يروم إرساء رابط بين الماضي والحاضر والمستقبل.
المتحف اليهودي المغربي بالدار البيضاء مؤسسة فريدة في العالم العربي الإسلامي، تشهد على الاستثناء المغربي في المنطقة، وفق السيدة زهور رحيحيل، التي ذكّرت بأنه بفضل تعليمات جلالة الملك محمد السادس، رُمِّمَت أزيد من 167 مقبرة يهودية مغربية، في مبادرة فريدة عالميا.
مؤسسة رائدة
وذكّرت أيضا بمنجزات مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي، منذ تأسيسها سنة 1995، حيث رمّمت العديد من البَيعات، والمقابر، وزُوّد متحف الدار البيضاء بمجموعة من المعروضات اليهودية المغربية الأصيلة، كما افتتحت متاحف صغيرة حول الثقافة اليهودية المغربية المحلية بعدد من مدن المملكة، مثل طنجة، ومكناس، والجديدة، ومراكش، على سبيل المثال لا الحصر.
ومن أعمال مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي، بحسب الأستاذة رحيحيل، عمل التعريف بهذا الموروث على مستوى المجتمع المدني، وعقد الشراكات مع القطاعات الوصية على التعليم والسياحة بالمغرب.
كما استحضرت زهور رحيحيل كون المتحف اليهودي المغربي يعتبر اليوم المؤسسة المغربية اليهودية الرائدة في إطلاق الحوار في سنوات التسعينات، حول أهمية صيانة الموروث العبري بالمغرب، والتعريف بالذاكرة اليهودية المغربية وتثمينها.
وبدورها أكدت الأستاذة مروان على الدور البارز للمغرب خلال الحرب العالمية الثانية، عندما عارض الملك محمد الخامس بشجاعة الطلبات النازية، وحمى اليهود المغاربة من الاضطهادات، وهي سردية كثيرا ما تُهمل في الخطابات الغربية.
”المغرب فريد في العالم العربي والمسلم”، كما صرحت الأستاذة مروان؛ لأنه “البلد الوحيد الذي يعتَبر المسلمون واليهود، وسلالتهم، أنهم مواطنون مغاربة، مع ولوج قانوني للجنسية. وهذا ليس فقط واقعا سياسيا، بل حقيقة ثقافية متجذرة بعمق”.
وفي حفل الختام، كان الإحساس ملموسا مع العرض الموسيقي”من القدس إلى المغرب” بصوت نيطع القائم وعميت حايكوهن. وجمع أداؤهما بين العبرية والعربية، واحتفى بالتراثات الموسيقية المشتركة بين اليهود والمسلمين المغاربة. بل أنزلت دموعَ الحاضرىن الأغنيةُ الأخيرة لنيطع؛ صلاة من أجل السلام والتحرر.
واختتم الموعد بنقط أمل، بمقترحات من أجل خلق شبكة بين المؤسسات المغربية والأوروبية والأمريكية؛ من أجل تعزيز البحث بين الأديان، والمبادرات الثقافية لبناء جسر للحوار والفهم في المستقبل.